من جراب الأمس

البرجاوي في الأدب الشعبي الفلسطيني: مع السلامة يا مسلـّم

كتب الأستاذ توفيق زيّاد شاعر الأرض المحتلة : حتما ً ، أنتم لا تعرفون ” مسلـّما ً ” ، ولكن من الذي لا يعرف ” البرجاوي ” ؟ وحتى لا تفكروا في الاتجاه غير الصحيح ، أقول لكم إن هذا ” البرجاوي ” ، ليس شخصا ً معينا ً ، وإنما هو كل شخص يحمل على ظهره لفة كبيرة من البضائع القماشية ، ملفوفة بكتانة عريضة ، ومحزمة جيدا ً إلى كتفيه بحبل رفيع متين ، وينتقل من قرية إلى قرية ومن حي إلى حي ، بحثا ً عن الرزق . وأما لماذا أطلقوا عليه – على كل بائع أقمشة متجول – اسم ” البرجاوي ” ، فهو نسبة إلى ” برجا ” – قرية في لبنان . وكما يبدو فإن ” برجا ” هذه ، قد صدرت إلى فلسطين وغيرها من البلاد العربية الملاصقة للبنان ، الكثير من هؤلاء الباعة الجوالين ، حتى صار يطلق اسم ” البرجاوي ” على كل بائع أقمشة متجول ، حتى ولو لم يكن أصلا ً لا من ” برجا ” ولا من لبنان .

هذه الصورة ، صورة ” البرجاوي ” اختفت تقريبا ً من قرانا وأحيائنا ، مع غيرها من الصور الشبيهة ، مثل صورة بائع ” العرقسوس ” و ” قمر الدين ” و ” الملبن ” و ” فليفله يا عايزة ” وصورة ” الدلاّل ” الذي يدور في الشوارع ، يدلل على كل شيء أو حيوان ضائع ، ويعد الذي يجده بالحلوان . وصورة ” المسحّر ” ، الذي ينقر بالطبلة ويصيح : ” يا نايم وحّد الله … ” .

هذه وغيرها هي صور الشخصيات النموذجية للمعدمين .. للذين لا يجدون القوت لليوم الذي لا يمارسون فيه عملهم . إنني أشعر بحب وشوق لهذه النماذج . ولكنه ليس شوقا ً ” بدائيا ً ” إلى عودة التاريخ القهقرى ، وإنما بسبب شاعريتها . ومن يدري ؟ ربما أيضا ً لأنها اختفت من بيننا بشكل تعسفي , ليس نتيجة لتطور طبيعي , وإنما هكذا بضؤبة سيف …

بعد عدوان الخامس من حزيران سنة 1967 , تدفق الكثيرون من باعة البضائع القماشية المتجولين , الذين جاؤوا من المناطق العربية المحتلة , دفعتهم الحاجة والفقر . جاؤوا ومعهم اسم جديد هو ” البضائع ” فإذا رأيت رجلاً يحمل حقيبة أو اثنتين بيديه , ويعلق مثلهما على كتفيه , وسألت عنه لقالوا لك : ” بضائع ” جاء البضايع ” وراح ” البضايع ” بغض النظر عن اسمه , أو القرية , أو البلدة , التي قدم منها .

وهكذا كان الأمر بالنسبة إلى البرجاوي . ولكن بضربة السيف التي وقعت في سنة 1948 , اختفت كما قلنا كل تلك الشخصيات النموذجية . وأما شخصية  ” البرجاوي ” فلم تختف تماماً , أو على الأصح ظهر عدد قليل من الباعة المحليين , وبعضهم من اليهود . وأما الناس فلم يجدوا غير نفس الاسم – البرجاوي – يطلقونه على الواحد منهم .

أعرف واحداً من هؤلاء من ” كفر آتا ” قرب شفا عمرو ” أبو يعقوب ” ولكن اسمه بالنسبة لكل الذين يعرفونه , هو ” أبو يعقوب البرجاوي ” .

مسكينة يا ” برجا ” … !! كل الناس تبيع الأقمشة , والصيت لبرجا ” ….

من كتاب زياد ” صور من الأدب الشعبي الفلسطيني ” .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مسلم قصة رائعة لنموذج البرجاوي البائع الجوال أتمنى أن يقرأها الجميع ، وفيها يغني مسلم أغنية جميلة مع رقص يقول فيها: مسلم رايح على بلاده والدرب منين حامل صرة لاولاده بتكفي عامين…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى