من دفاتر الإغتراب

علي ياسين الزعرت يكسر عتمة … الأوراق

كتبت رولا عبدالله : لم تكن حياة أستاذ علوم الحاسوب علي ياسين الزعرت ابن بلدة برجا في إقليم الخروب ” معبّدة ” بالواسطة . درس ” الأنفورماتيك ” في الجامعة اللبنانية ، ومن ثمّ انضمّ لثلاث سنوات إلى جماعة العاطلين عن العمل سعياً خلف وظيفة لم يفز بها في بلده . هاجر وفي قبضته إرادة صلبة خوّلته أخيراً حيازة لقب ” مبدع ” نجح ضمن فريق علمي من جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية بابتكار آلة ناسخة لورق البرايل للمكفوفين ، وهو الإبتكار الذي احتضنته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية قبل أن يخرج الى العالمية بحيازته الميدالية الذهبية في معرض ماليزيا للإبتكارات الشهر الفائت . ويتوقع أن يحظى بالإهتمام نفسه في معرض جنيف الدولي للإبتكارات العلمية هذا الأسبوع بعدما رشحته المملكة على أمل الفوز .
حكاية علي ” من الآخر ” حلوة ، لكنها مرة في بداياتها إذ لم تشفع له الشهادة الجامعية مطلع التسعينيات بالحصول على وظيفة من دون أن يرفقها بـ” توصية ” . وبما أنه اختار أن لا يكون حزبياً ، آثر اللحاق بأخوته الذين سبقوه إلى بلاد الاغتراب بحثاً عن مورد رزق . يومها صرخت أمه في وجهه : ” شو أنا ربيتكن لتسافروا … واحد في فرنسا ، والثاني في السويد ، وأنت تطلب الهجرة إلى كندا ” . لم يكن اعتراض أمه العقبة الوحيدة التي وقفت في وجهه ، اذ تبين أن الحصول على فيزا إلى كندا يتطلب تأمين مبلغ عشرة آلاف دولار . ” لملمتهن من هون وهونيك ” ، يذكر جيداً مستمداً الحماسة من قول حفظه صغيراً للمعلم كمال جنبلاط : ” نكون أو لا نكون ” . وفي كندا تمكن من الحصول على عمل في إحدى المطابع ، فأمضى سنته الأولى مدخراً ما أمكن لرد الديون المتوجبة عليه ، ومن ثم تفرّغ للدراسة متوجاً الغربة بشهادة الدكتوراه في مجال ” معالجة الصور الرقمية ” ، ومن بعدها بالعمل في إحدى شركات الحاسوب التي خصصت له راتباً وصل إلى نحو خمسة آلاف دولار . وابتسم الحظ أكثر حين حصل على عرض من جامعة الملك سعود ، يعلّق : ” كنت تزوجت وأنجبت ” محمد ” و ” ياسين ” ، فانحزت إلى السعودية من أجل أن ينشأ ولديّ في بيئة عربية ” .

في السعودية تلقفت جامعة الملك سعود التوجيهات التي أعطاها الملك عبدالله بن عبد العزيز بضرورة دعم التعليم والأبحاث بكثير من الجدية . بدأ التشبيك بين الجامعة ومركز للمكفوفين بغية البحث عن سبل تسهم في الأخذ بيد تلك الشريحة من المجتمع . في تلك المرحلة ولدت فكرة ” الآلة الناسخة ” لورق البرايل ، فتشكل في العام 2007 فريقاً بحثياً يضم إليه كل من الأستاذ الدكتور عبد الملك السلمان والطالبين يوسف السحيباني (ماجستير) وخالد الحقيل (ماجستير) . لقي المشروع الدعم المالي من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بقيمة مليون ريال سعودي ، بالإضافة إلى إشراف الجامعة . يوضح : ” بما أن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أنشأت لدعم الأبحاث ، استحدث قسم يسمونه ” الحاضنات ” مهمته دعم الإبتكارات وتنفيذها ومن ثمّ تسويقها ” . أما الآلة الناسخة التي ” ولدت من رحم معاناة المكفوفين ” على حد قول الزعرت ، فيميزها الآتي : ” القدرة على نسخ ورقة البرايل ذات الوجه الواحد أو الوجهين ، ويكون النسخ على ورق البرايل العادي بالترتيب نفسه للورقة الأصلية . وبإمكان الآلة التعرف آلياً إلى نوع الورقة الأصلية ( سواء وجه أو وجهين ) ، وطباعة أكثر من نسخة بغض النظر عن اللغة التي كتبت بها الورقة الأصلية . ويتم عمل الآلة بالاعتماد على معالجة الصور الرقمية لورقة البرايل ومن ثم التعرف الضوئي لخلايا برايل وطباعتها بأسلوب مشابه لعمل آلات التصوير العادية ” .
في العام الفائت تقدّم الفريق العلمي للمشاركة في معرض جدة للإبتكارات ، فحصد جائزته الأولى ذهبية التي خولته من بعدها الحصول على دعم المملكة لترشيحه للمشاركة في معرض ماليزيا حيث كانت المباراة مع منافسين من مختلف دول العالم ، وبانتظار نتائج معرض جنيف ، يبقى في أفق علي الكثير من المشروعات المعلقة بانتظار البلورة والتنفيذ ، بينها ” تطوير نظام متكامل لتمكين المكفوفين من التعامل مع الحاسب الآلي ” وهو المشروع الذي حظي بدعم الجامعة وتمويلها ، وعلى أمل عودته ” غانماً ” من جنيف حيث يمثّل المملكة غداً الثلاثاء بابتكار ” الآلة الناسخة ” ، يبقى الحلم الذي لا يفارقه أن يرجع يوماً إلى بلدته برجا . وما الذي يعيقه ؟ سؤال يبادله بآخر : ” وبدها سؤال ؟ “. يحكي مع بعض التحفظ : ” ما زلت حريصاً على زيارة بلدتي برفقة عائلتي مرة على الأقل في السنة . وفي كل زيارة تنفحني رغبة وضع حد للإغتراب ، يقابلها سؤال الجامعات في لبنان : عذراً ما بدنا أساتذة ، أو من وين حضرتك ؟ أو عندك واسطة ، أو خلينا نجربك كم شهر وبعدين بنقرر ” . وبانتظار الـ ” Ok ” من لبنان ، تتمدد سنوات الإغتراب التي لا يطفئها سوى رنين الهاتف وصوت قريب يسأل : ” شو وينك ؟ اشتقنالك ” . المصدر : جريدة المستقبل .

مقالات ذات صلة

‫7 تعليقات

  1. قبل أن يكون الاستاذ علي خبيرا في علوم الحاسوب فهو خبير في علوم الاخلاق و المعاملة الحسنة النابعة من معدنه الاصيل كل التوفيق للاستاذ علي املين ان تبقى بصيرته مشعة بنور العلم ليستفيد منها البصير و غير البصير

  2. الله يبارك فيك يا دكتور علي هذا فخر وبصيص امل لكل الامة الاسلامية والعربية تحصد الجوائز الذهبية على مستوى العالم فهل من مكرم في بلدك ووطنك؟

  3. نحيي المبدع الاستاذ علي ياسين الزعرت البرجاوي واللبناني انه لرجل الاسطورة في تاريخ برجا الذي رفع اسم لبنان عاليا واننا لفخورين بهذا الرجل العملاق في التطور والمثابر في الحياة لان الحياة معركة وكان من المنصرين على المشقات كما نطلب من بلدية برجا ان تكرم هذا الرجل العملاق وان تستمد من خبراته الفنية المتاحة لان عمله صدق جارية لمنفعة الانسان وايضاً نطلب منها ان تتبنى هذا الرجل بكتاب الى الوزارة المختصة في الجمهورية اللبنانية لكي تمنحه وسام المبدعين وهو شرف للبنان بان تكرم هذا الرجل مع العلم انه دخل الى قافلة العلماء في العالم وهو ذخر للامة الاسلامية والعربية.

  4. تحية للأستاذ علي على انجازاته وابداعه في مجال عمله ، وقد صدق من قال:ـ (لا كرامة لنبي في وطنه) لم أستغرب مشكلة الأستاذ علي في لبنان ، التي هي صورة صادقة عن مشاكل المغتربين جميعا في أوطانهم الأصلية ، حيث يتمسك الحكام والمتنفذون بالبلد ويديرون البلاد كمزرعة خاصة لهم ولأبناؤهم وأقرباؤهم ومحاسيبهم وأصدقاؤهم ، فابن الوزير وزير وابن الحرّاث حرّاث ، بغض النظر عن المؤهلات والمقدرات والخبرات ، تصفحت ذات مرة صورة كاريكاتورية لشاب متعلم يطلب وظيفة من مدير عام لمؤسسة توظيفية ، ويحمل معه شهاداته وخبراته العملية …الخ. فيرد عليه المدير المنتفخ كرشه المتدلي أمامه والسيجار الكوبي الفاخر بفمه ويصرخ في وجه طالب العمل قائلا :ـ لا تقل لي عن مؤهلاتك وخبراتك وشهاداتك ، بل قل لي قديش قريشاتك ؟ (اشارة للثروة النقدية) ودمتم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى