برجا الآنمن جراب الأمس

عصر الطرابيش … هل تذكرون ؟

كتب الشيخ جمال جميل بشاشة : إختفى الطربوش عن ساحة العين ببرجا ومن أزقتها ومناسباتها !

قبل الثمانينيات من القرن العشرين كنت ترى العشرات من رجال الضيعة يزينون رؤوسهم بالطربوش , في الاحتفالات الدينية كالمولد النبوي , أو المآتم وتشييع الجنائز أو المواسم الانتخابية في الشوف .

 إنقرض من برجا كما غيره من الحرف , والتي من أشهرها بلا ريب حياكة الشراشف والمناشف البرجاوية , حيث لم يعد من الطربوش إلا الصور التذكارية للأجداد والأسلاف !

وتعود قصة الطربوش إلى عهد السلطان العثماني محمود الثاني , الذي أصدر فرماناً بحدود العام 1830 للميلاد يفرضه كغطاء للرأس على الموظفين والأسلاك العسكرية .

وقد جاء في كتاب ” لبنان , مباحث علمية واجتماعية ” أن إبراهيم باشا المصري قائد الحملة المصرية على بلادنا في القرن التاسع عشر , أمر بلبسه  سنة 1838 فلبسه الأمير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان وأسرته وعمم على سائر القرى والمدن والأرياف .

وينسب المؤرخون أصول الطربوش إلى بلاد المغرب العربي كالمغرب والجزائر وليبيا .

ويقال إن معنى الكلمة ذا جذر تركي معناها ” سر بوش ” وسر تعني : الرأس  , وبوش : الغطاء , ثم مع كثرة التداول صارت ” طربوش ” . ويقال إن أصلها فارسي .

ويعزو البعض أصول الطربوش إلى بلاد اليونان , وعبر الدولة العثمانية انتشر في بلادنا سواء في الشرق العربي أو مغربه .

في برجا الشوف اليوم , ونحن في مطلع العام 2012 ما عاد أحد يأبه للطربوش الأحمر ولبسه سوى المشايخ المعممين الذين يضيفون عليه العمامة البيضاء ( الشاش ) .

في رحلة البحث عن الصور القديمة التي قمتُ بها منذ أواخر القرن الماضي على دور وبيوت البرجاويين , إستطعت الفوز بمجموعة كبيرة وهائلة منها , تعد بالمئات , جلّ أصحابها مايفارق رؤوسهم الطربوش , ومنها صور لفتيان لما يبلغوا الحلم يعلوهم الطربوش الأحمر  بهيبة ووقار .

وعندما سألت عن سبب وضع الطربوش على رؤوس الصغار قيل لي : إن الأهل كانوا يتوسّمون بفتيانهم علائم الرجولة وأماراتها .

وإبّان استقصائي عن حرفة صناعة الطرابيش لم أجد من يذكر لي أن في برجا من كان يصنعها أو يتقنها !

 إنما المؤكد أن هناك من اعتنى بكيّها وتنظيفها وبيعها . عرفنا منهم آل ترو , وخصوصاً صاحب الطريقة الشاذلية , الجد حسن ترو المتوفى قرابة العام 1920 والذي كان يقيم بحارة البيدر , في المكان الذي يقوم عليه المستوصف القديم على المسقى .

من بعده تابعه إبنه محمد علي ترو  المتوفى عام 1959 من دكانه عن يمين أول طلعة الحاج سالم السيد بساحة العين .

كما عرفنا أسرة أخرى اعتنت بهذه المهنة , هي عائلة ” الحاج اسماعيل ” الحلاق , والذين توارثوها أباً عن جد , وانتهت عندهم بوفاة عبد الله مصطفى الحلاق عام 1976 . ( راجع كتابنا ” الحياكة البرجاوية ” صفحة 89 ) .

في ذلك الزمان الغابر كان الناس يستحيون من الخروج إلى الميادين والمحافل حاسري الرأس لما في ذلك من خرق للقواعد والأعراف المتبعة , حيث كان يعتبر من المعايب التي تؤخذ على الرجال .

 من يتذكر جنائز برجا الشوف قبل الثمانينيات ما تفارقه تلك المشاهد المألوفة في غير جنازة … العمامة معلقة على النعش إن كان الميت شيخاً , وطربوشاً إن لم يكن كذلك .

العادة هذه كانت تدل على مكانة الميت في مجتمعه وقريته .

ومن كان يراقب مواكب الجنائز , مثلنا نحن الأولاد في تلك الأيام , إذ كنا نراقبها بوجل وصمت , من عند ناصية ساحة العين قرب دكاني الحاج إبراهيم الحنجول ومحيي الدين السوداني , كانت تأخذه رهبة الموت , حيث العشرات من الطرابيش تبدو وكأنها متراصة ومرتبة جنب بعضها البعض !

وهكذا نظل مشدوهين ومتابعين للمشهد حتى تبدأ الطرابيش بالأفول باتجاه الشير .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى