وجوهٌ من بلدتي

الحاج خليل … خليل المتقين

11الحاج خليل الضو من مواليد 1924 ، والده سليم سعيد الضو ، والدته كاتبة حسن رمضان، كان في أيامه حائكاً من الحائكين المعدودين في برجا الشوف، وعضواً فاعلاً في لجان الوقف المتعاقبة حتى السبعينيات وأميناً لصندوق جامع برجا الكبير.

رثاه الشيخ جمال جميل بشاشة  في مناسبة مرور ثلاثة أيام على وفاته في قاعة الشيخ أحمد الزعرت في جامع الديماسي – برجا ، عصر يوم الخميس 24 أيلول 2009 :

كانت امرأة سوداء تقم المسجد النبوي الشريف ، تكنسه وتنظفه وتميط الأذى عنه . فتفقدها رسول الله يوماً ، سأل عنها ، فقيل له : ماتت يا رسول الله ! فقال صلى الله عليه وسلم : أفلا كنتم آذنتموني ؟ أي أعلمتموني بموتها . كأنهم صغروا أمرها مع أنها كانت تقوم بوظيفة مهمة من وظائف المسجد ، أليست تهيئة للركع السجود ؟

فقال النبي : دلّوني على قبرها ، فدلوه ، فوقف عنده وصلى عليها .

إن هذه المرأة أفضل عند الله من عظيم لا عمل له ، أو يلي منصباً كبيراً يُسيء إلى الناس فيه …

والناس لا تُوزن بمناصبها ، إنما تُوزن بمزاياها ومناقبها .

والخطأ الشائع عند الناس أن أصحاب المناصب المضخمة هم الذين يملأون العين .

يقول النبي : ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ بأوصافهم وخصالهم ؟ هم كل ضعيف متواضع ، لو أقسم على الله لأبره ! ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر –  مانع للخير –  .

ويتصل بهذا المعنى حديث النبي : ” إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ” لِمَ جعل إجلال الكبير من إجلال الله ، وتوقيره من توقير الله ، واحترامه من إحترام الله  ؟

لأنه يُمثّل القيم الفاضلة التي تصون بهاء الحياة ، فتوقير الكبير يُعبّر بصدق عن ولائنا للحياة .

” ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا ” إننا حين نتأمل هاتين الكلمتين للنبي صلى الله عليه وسلم –  شرف كبيرنا –  ندرك كما كان محمد عظيماً وهو يُنشىء العلاقات الإجتماعية في أحسن تقويم .

 

الكبراء بسنهم ، بأخلاقهم ، بخبراتهم ، بتاريخهم ، بعطائهم للحياة … كل هؤلاء لهم شرف يجب أن يُرعى ويُصان ….

وقد كان الشيخ خليل الضو كبيراً بأخلاقه ، بتاريخه، بعطائه للحياة … كيف ذلك ؟

كان رحمه الله معلّماً في حرفة أهل بلدته برجا الضاربة في التاريخ ، يقصده الحائكون والتجار وأهل برجا والجوار في الشوف للحصول على منتوج نوله ، الذي برع في تشغيله وحياكة القماش المعروف – المرمر – أو المؤنس –  وكان رحمه الله تعلّم على يد أستاذ برجا وشيخها محمود عمر البربير 1865 – 1970 ، فعاش منتجاً ، عاملاً ، كادحاً ، متواضعاً ، والله يحب العبد المحترف .

أما عطاؤه للحياة ، فإني أسأل : هل من شرف أعظم من العمل وأداء رسالة المسجد ، التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى ، فقد كان الشيخ خليل الضو عضواً في لجان الوقف لجامع برجا الكبير في الستينيات والسبعينيات ، أميناً للصندوق حيناً ، وأميناً للسر حيناً آخر …

والحجارة العتيقة في جامع برجا الكبير تشهد للشيخ خليل ، في تفانيه ، في بذله ، وفي غيرته .

ثم أسأل عمّا تركه بعد مماته ؟ ها هي ذرية صالحة تخلفه ، وذخيرة يقدم بها على ربه . ترك أبناء وبنات يركعون لله ويسجدون ، ويقدسونه وبحمده يسبحون .

وكأني به ولسان حاله يقول ” ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً ” و ” رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ، ربنا وتقبّل دعاء ، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ” .

في رثائه قال الشاعر محمود عبد القادر سعيفان تحت عنوان ” خليل المتقين ” :

خَليلِ الْمُتَّقين ْ

بِالدَّمِعْ وِالْآهاتْ، بِالقلْبِ الْحزينْ
وَدَّعِتْ شُعْلِةْ عَاْطفِه، وْدَفْقِةْ حَنينْ
وَدَّعِتْ مَوسمْ ضَوّْ، وِحِكاِيةْ حَلاَ
باقي صَدَاها بِالْبَناتُ وبِالْبَنين
كانْ بَيّي نَهرْ جَاري مِثلْ بَدْرِ انْجَلَى
وْيَامَا بْظلامِ اللّيْلْ كُنّا شَايْفين
يْرُوحُ ويِجي فِينا مِثل سَبْعِ الْفَلَا
بْإيمانْ زَاحِ الشَّكّْ عَنَّا بِاليَقين
وْزَارْ مَكةَّ وْعَاْدْ مِنها وِاْختَلَى
بْنورِ النبَّي وْصَفَّى (خَليلِ) … الْمِتَّقين
وْقَلْبو تَعَلَّقْ بِالْمَسَاجِدْ وِابْتَلَى
بِالصَّبِرْ مَعْنَا وْضَلَّ عَاَلْمبْدأ أمِين
وْعَاقِمةِ التَّقْوى تَسَلَّقْ وِاعْتلى
بَعَزْمُ وثَباتُ وتَضْحِيِه وْأَللَّه الْمُعين
وْبَعْدُو قَلِبْ إيمانْ بِنْتو مَا سَلاَ
أُنْسٍ اللَّيالي السَّالْفَه وْهَمِّ السِّنين
وِالْحَجّْ بَعْدُو حَيَّ مَا بَيْنِ الْملاَ
في نَاسْ بَعْدِ الْموْت خُلْقوا مِنْ جَديد
وْفي ناسْ بَعْدُنْ عايْشينُ ومِيّْتينْ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى