أوراق برجاوية

برجا: أزمات تتفاقم وما من رؤية واضحة المعالم!

كتب أ. درويش محمّد حوحو:

شهدت برجا خلال العقدين المنصرمين فورة في الحركة العمرانية والكثافة السكانية، حتى تضاعف عدد سكانها.

وشكل القادمون إليها أكثر من نصف السكان، أتوا إليها من العاصمة بيروت، أو من بعض مناطق الجنوب والبقاع.

وزاد من هذه الظاهرة تدفقُ النازحين السوريين الهاربين من جحيم القتل وشلال الدماء.

هذه الفورة زادت حجم الأعباء والمشكلات والمعاناة بسبب الإهمال التاريخي الذي لحق ببرجا.

ولم يخفف من هذه المعاناة تنفيذُ بعض المشاريع البنية التحتية، التي خففت من المشكلة ولكنها لم تحلَّها، إذ إنها لم تأخذ بعين الإعتبار المتطلبات المستقبلية وتطور الحاجات وتوسعها. وهي بالكاد تلبي متطلبات السكان الأصليين! فكيف الأمر مع التزايد الدائم لأعداد السكان الوافدين ! .

والناظر إلى المشهد العام للبلدة، أو القادم إليها من جهة البحر، يُفاجأ بالعمارات المنتشرة عشوائياً حتى ليظن أنه أمام كتلة من الباطون والخرسانة.

بنايات تفتقر إلى الحد الأدنى من الشروط البيئية والحضارية والإنسانية، تأكل الأخضر واليابس، وتقضي على المساحات الخضراء والمتنفسات التي تحتاج البلدة إليها.

لقد انتشرت المشاريع السكنية التجارية بشكل فوضوي وعشوائي، دون احترام للقوانين والشروط البيئية، بل كثيراً مانرى أشكالاً مختلفة من التحايل على قوانين التنظيم المدني، بغية زيادة الإستثمار في العقارات وبالتالي تأمين أكبر قدر ممكن من الأرباح، وسط تواطؤ المسؤولين وإهمالهم لواجباتهم في الحد من هذه الظواهر.

ومايزيد من حجم الأزمة، وحالة الإختناق المتصاعدة عملياتُ التعدي على الأملاك العامة وحرمات الطرقات والشوارع، والتراجعات والأرصفة إذا وجدت، دون رادع أو وازع، بل يلاحظ موافقة ضمنية من المسؤولين، بحجج مختلفة وتبريرات شخصية ومصلحية ذاتية، دونما اعتبار لمصلحة البلدة ومستقبلها.

يضاف إلى ذلك كله أزماتُ السير الخانق وسط البلدة وساحاتها والعجز عن ابتكار حلول تخفف من أعباء الأزمة وتسهل وسائل عيش السكان وتنقلهم.

قد يقول قائل إن برجا تتميز عن غيرها من بلدات الإقليم وقراه بشبكة طرق مقبولة، ولكن يغيب عن بال هؤلاء أنه توفر لهذه البلدة في مرحلة سابقة أناسٌ تميزوا بنظرة مستقبلية، فسعوا لدى المسؤولين إلى وضع مخططات لحوالى 22 طريقاً وشارعاً، ومن ثم توفر من سعى إلى تنفيذ الجزء الأكبر منها، إضافة إلى بعض الطرقات وتشويهها وتحويلها إلى مايشبه الزواريب، حتى باتت برجا بأحيائها الجديدة شبيهة بمخيم للاجئين، بدلاً من أن تكون نموذجاً حضارياً وأحياء منظمة تلفت الأنظار وتؤمن بيئة سكنية مثالية.

وتشتد المعاناة مع أزمة النفايات، وتراجع الخدمات العامة من مياه الشفة إلى التيار الكهربائي، وإلى مشاريع الصرف الصحي وإلى التلوث والفوضى العارمة التي تعم الحياة العامة في البلدة، حتى بتنا أمام أزمة أخلاقية وتربوية تضاف إلى الأزمات السابقة.

برجا تكبر وتتوسع ، عشوائياً دون خطة أو رؤية مستقبلية، كيف يمكن لها أن تكون بعد عشر سنوات، أو عشرين سنة، وماهي الصورة التي نتمناها لها.

ما العمل لكي تتمتع برجا بحياة هانئة وسهولة عيش وانتقال وبيئة نظيفة؟.

لقد مر على بلدتنا خلال العقدين الأخيرين أربعةُ مجالس بلدية، كان بالإمكان استغلال هذه السنوات بشكل أفضل، بوضع خطط لمشاريع إنمائية وشبكة طرقات وحمايتها، وقصر بلدي وآخر للثقافة، والإستفادة من الطاقات العلمية والمعرفية التي تزخر بها.

وبدلاً من الرؤية المستقبلية المسؤولة، عملت هذه المجالس على القطعة وباليومية ، تتحرك خبط عشواء، وكثيراً ماتكون المصالح الآنية والذاتية هي الدافع لعمل ما، وليس الحاجة المجتمعية التي تملي ذلك.

لقد آن الآوان ، وقبل فوات الآوان، للتفكير الجدي والمسؤول في مستقبل برجا العمراني والإنمائي، برجا بحاجة إلى تنظيم مافيها من طرقات وشوارع، والحفاظ عليها .

برجا بحاجة إلى مساحات خضراء، وبيئة نظيفة ، بحاجة إلى احترام القوانين، وإذا اقتضى الأمر تعديل هذه القوانين لصالح المستقبل، بحاجة إلى التخلص من العشوائية والفوضى وسهولة التعدي على الحق العام .

برجا تحتاج اليوم إلى رؤية واضحة المعالم ترتقي بها لتكون مشرقة، تفخر بأبنائها ويفخر بها أبناؤها وبالإنتماء إليها.

برجا تحتاج إلى من يفكر في مستقبلها وما يمكن أن نؤمنه للأجيال المقبلة.

عن “برجا الجريدة” العدد الأول كانون الثاني 2018.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى