من جراب الأمس

سقف بيتي قرميد

كتب الشيخ جمال بشاشة : ” للبنان قصة مع القرميد الذي أضحى للبعض جزءاً من تراث البيت اللبناني . قصة ظهرت معالمها الأولى عام 1860 . ومن هذا المنطلق ، نعتبر القرميد من التراث اللبناني ، وبما أنه انتشر في سرعة واستعمل بكثرة بتزامن مع استيراد الحديد والخشب القطراني أيام المتصرفية ، وبما أن لبنان آنذاك انفتح على الغرب ، أضحت قصة القرميد متصلة بالتاريخ .

انفتح لبنان على الغرب سعياً إلى الحديد والخشب لإنجاز السقوف ، وتغيرت المقاييس الهندسية ، وظهر البيت اللبناني ذو القناطر الثلاث ، وقد ازدهر بين العام 1860 و 1914 . وبقي بناؤه رائجاً حتى آخر الثلاثينيات . الإنتشار الواسع للمنزل ذي القرميدة الحمراء التي تحمي سقفه ، أهله ليحمل اسم ” البيت اللبناني ” منزل مربع الشكل مبني من الحجر ، يعلوه القرميد الأحمر ، وثلاث قناطر في واجهته ” .

وتذكر المصادر التاريخية أن من أوائل معامل القرميد في لبنان معملاً واحداً أنشىء سنة 1897 في القبارية بالقرب من مدينة بيروت ، كان يعمل من أصناف القرميد قرميد البناء أو الطوب المشوي والقرميد المستعمل للسقوف . وقد كانت السقوف الترابية المسطحة هي الشائعة والمنتشرة حتى منتصف القرن التاسع عشر . وقد استمر بناؤها في الإنتشار حتى القرن العشرين ، كان تراب السطح يسوى بالمحدلة وتجفف عليه مؤونة الشتاء وعليه أيضاً يعيش وينام أهل البيت صيفاً . تم إستيراد القرميد المرسيلياني إلى لبنان في منتصف القرن التاسع عشر .

ويؤمّن سقف القرميد الهرمي الشكل المستند على هيكل خشبي عزلاً واحكاماً حرارياً يفوقان ما يوفره السقف الترابي .  وبفضل رهافة صنعته وجودته ، انتشر ” السقف الأحمر ” ليصبح علامة مميزة للعمار القروي والمديني . وإذا كان العمران مظهراً من مظاهر الحضارة والرخاء يقدم عليه الإنسان إذا ما توافر له عنصرا السعة والإستقرار ، فإن إنتشار القرميد الأحمر لم يقتصر على بيروت ومدن الساحل اللبناني ،  والتي كان سكانها أول من بادر إلى إستعماله وخصوصاً الأثرياء والميسورون منهم ، بل تعداه إلى القرى والبلدات اللبنانية كافة ، لما يضيفه على البيت من بهاء وجمال ، ولما يتمتع به من مواصفات وميزات ، إذ يمنع رشح المياه إلى الداخل ، ويوفر على ساكنه عملية الحدل التي كانت تتم بمحدلة حجرية إسطوانية وقوس أو ناعوس يدخل في طرفيها وتجر به ، ويدلك بها السطح على أثر المطر فيمنع الدلف ، كما أن صيانة القرميد وترميمه سهلة .

في برجا الشوف شكلت بدايات القرن العشرين الميلادي تحولاً في طريقة سقف البيوت إذ اصطلح عدد كبير من أهلها على تغطية سقوفهم بالقرميد عوضاً عن إستعمال السطوح القديمة ، حيث كثر الطلب عليه وتزايد بعد ذلك ، كما أنه مع ظهور الخرسانة المسلحة بدءاً من العام 1920 انتشرت السقوف الأفقية المعتمدة على الباطون بدلاً من الخشبية والترابية .

لم يكن الذين وسع الله عليهم في المال والرزق مقبلين وحدهم على تزيين مساكنهم بالقرميد ، بل شاركهم في ذلك الفقراء ومتوسطو الحال من البرجاويين . كما يبين لنا التحقيق الذي أجريناه مع المعمرين أن عدد البيوت المزينة بالقرميد الأحمر في برجا كان يقارب 45 منزلاً قبل هزة السادس عشر من آذار عام 1956 م الموافق للرابع من شهر شعبان سنة 1375 للهجرة ، إذ أتت على بعضها فخلخلته ، ومن ثم اضطر أصحابها إلى إزالتها ، في الوقت الذي عمد فيه آخرون إلى قرميدهم فأطاحوا به طمعاً بباطون وحديد مصلحة التعمير التي رأسها الأستاذ إميل البستاني عقب الهزة ، التي كانت تقدم مواد البناء تعويضاً عما لحق الناس من أضرار . بينما بقي القرميد صامداً على رؤوس منازل كثيرة إلى أن أطلت الفتنة الكبرى برأسها على لبنان عام 1975 .

وحين وضعت الحرب أوزارها في أوائل التسعينيات كانت سطوح القرميد في برجا أثراً بعد عين . منها ما دمرته الآلة العسكرية ، من بينها في حارة العين على ما أذكر آخر قرميدين فيها هما : عُلّية ناظم يوسف معاد والتي كانت سابقاً لدرويش سراج ، ومنزل علي أحمد ابراهيم دمج في أعالي الحارة ، واللذان دمرهما القصف المدفعي على برجا إبان حرب الجبل عام 1984 ، ومنها ما عملت فيه أيدي الناس ، الذين دفعتهم الحاجة إلى زيادة طوابق على البناء أثناء فوضى الحياة والعمران . مثل مسكن أحمد حوحو المتوفى عام 1936 والذي يُعد آخر قرميد توج بيوت حارة البيدر البرجاوية في أواخر السبعينيات ، ومن قبله منزل أحمد سعيد الدقدوقي – أبو صادم . أما في حارة الجامع الكبير فكانت علية شريف الحاج – العمري – شاهداً على التحول حتى أواسط الثمانينيات ، وفي الفترة نفسها لحق بها قرميد أ. محمد عبد الكريم سعد بحارة الجرن . ومن يومها خلت برجا القديمة من سطوح القرميد ، والتي زينتها وزخرفتها لسنين مضت .

أما في خراج الضيعة فقد أحصينا ستة منها قبل الخمسينيات ، واحد لمحمد محمود شبو في الحفة ، وثلاثة على البلايط لأمين عمر ترو وعبد الغني الحاج ومصطفى محمد شبو وآخر في المهاوي بالديماس ليونس الدقدوقي والذي لا يزال قائماً إلى اليوم ، وتخشيبة محمد علي قاسم سعد – أبو محي الدين – في المحوطة قرب الشيخ يوسف دمج ، والتي كساها بالقرميد الأحمر حيث كانت موئلاً له يشرف منها على حراسة أرضه وفاكهتها .

المراجع : تحقيق لهنادي الديري نشر في النهار – فن العمارة التراثية في لبنان ، منشورات المؤسسة الوطنية للتراث – أنيس فريحة : القرية اللبنانية – لبنان ، مباحث علمية واجتماعية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى