برجا الآنقل كلمتكوجوهٌ من بلدتي

الأستاذ عمر الخطيب… كانت ثانوية برجا عنده كل شيء

ودع الأستاذ جمال نور المعوش مدير ثانوية برجا الرسمية المربي عمر جميل الخطيب بكلمة مؤثرة في حفل تكريمه إثر إحالته على التقاعد في آذار 2011 باسم الهيئة التعليمية، وجاء فيها:

 “عندما نودي عليّ لإلقاء كلمتي هذه إنتابني شعور غريب أحسست معه وكأنني لا أستطيع نقل خطاي فمشيت الهوينى متثاقلا ً إلى حيث أقف أمامكم، سألت نفسي ما الأمر؟؟ أهي رهبة الموقف أم هو ثقل الفراق  أقول: إنه الإثنان معاً.

فكيف لي والحال هذه أن أقف متحدثاً عن أخ وزميل عزيز مدير هذه الثانوية الأستاذ عمر الخطيب، هي لحظة مؤثرة حقاً تختلط فيها المشاعر والأحاسيس بما هو بديهي وطبيعي.

الآن عرفت مأزق الكلمات وورطة اللغة المُحاكة، فكيف أبدأ بالرسالة؟

تقتضي الأمانة والواقعية منا أن نقدر عالياً ما قام به الرجل طوال توليه مديرية الثانوية ولما بذله من جهد وما تحمله من عناء يتجاوز في كثير من الأحيان حدود القدرة والإمكانية.

أعرف جيداً أنه لا يحب المديح والثناء ولا الإدعاء والغرور وحب الظهور.

فهو لم يتسابق يوماً للوقوف على بعض المنابر، ولا زاحم ليجلس في الصفوف الأمامية كما يفعل بعض المرددين لكل تقليد، والذين لا دور لهم سوى ركوب الموجة وأية موجة! أعرفه متواضعاً بسيطاً لم يكن المركز بالنسبة إليه جاهاً وترفاً بل مهمة أوكلت إليه بقصد خدمة المجتمع وأفراده.

والتواضع هو صفة العقلاء الذين أدركوا ذاتهم، لأن من يدرك ذاته يدرك معنى الوجود والحياة .

ليس سهلاً أبداً أن تدير مؤسسة فيها ثلاثة وسبعون أستاذاً وحوالى 700 طالب وما يتطلبه ذلك من حكمة ودراية.

الثانوية هي كل شيء بالنسبة إليه، هي الهدف وهي الدرب، لا يهدأ حتى يطمئن أن الأمور سائدة في الإتجاه الصحيح.

هو أول الواصلين وآخر المغادرين، لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويعالجها في أوقات الدوام وفي أوقات العطل بصبر وطول أناة.

حدث ذات مرة أن رأيت إحدى الزميلات في الممر المؤدي إلى الإدارة، رأيتها غاضبة متوترة مسرعة تسابق خطاها! سألتها ما الأمر؟ فلم ترد.

وأظن أنها معترضة على توزيع دوامها الإسبوعي.

دخلت إلى مكتب المدير وخرجت بعد حين منشرحة هادئة، فبادرتها قائلاً: ما بالك دخلت عابسة متجهمة وخرجت باسمة راضية؟

أجابت بعد أن استعادت هدوءها: أتعرف، غريب أمر الأستاذ عمر، إنه يرضيك بدون أن يتراجع، يجمع بين الشدة والليونة، بين التأني والحزم، بين الجدية والمزاح، حتى يجعلك تتقبل فكرته بالحجة والإقناع.

قلت معلقاً: إنها أصول الإدارة يا عزيزتي، الإدارة ليست عملية تقنية بحتة، إنها فن التعاطي مع الغير لا سيما بين الرئيس والمرؤوس، والفن هو ذوق وإبداع، إنك تتعامل مع بشر لا مع جماد، بهذا المعنى الإدارة تقوم على التروي والتفهم ضمن ما تنص عليه القوانين والأنظمة.

والقوانين على كل حال ليست جامدة، وتطبيقها يحتاج إلى المرونة لا إلى التزمّت، مهم جدا ً أن تعرف ماذا تريد لكن الأهم أيضا ً أن تعرف ما يريده الآخرون.

يقول أحد المفكرين: أنظر بعينيك جيداً ترى صورتك في كل الصور، وأصغ بأذنيك ملياً تسمع صوتك في كل الأصوات.

والحكماء يتكلمون قليلاً ويفعلون كثيراً، بينما يتكلم الأغبياء كثيراً ويفعلون قليلاً. يقول جبران: إن من أحب الحياة بالعمل النافع تفتح له الحياة أعماقها وتدنيه من أبعد أسرارها.

وهذا هو حال الأستاذ عمر الذي قال لي ذات مرة: إن هؤلاء الطلاب وديعة بين يدي، والوديعة أمانة ومن يفرط بالأمانة إنما يخالف قواعد الدين والأخلاق. أما نحن أفراد الهيئة التعليمية يشهد الله أن علاقتنا به كانت على الدوام علاقة تعاون ومودة وفي كل الأوقات حتى إذا ما أصاب أحدنا ضيق أو مكروه كان بجانبنا وكأنه هو المصاب، ولا يستكين حتى يقوم بما يعتبره أقل واجب عليه.

غداً أيها الأعزاء يشرق فجر جديد وتدور الحياة دورتها، وسنعود إلى عملنا على جري عادتنا وسنلج باب غرفتك وسنرى غيابكم حضوراً في كل زاوية وكل ركن بين سطور الدفاتر والكراريس، وسيكون طيفكم حاضراً في الصفوف والقاعات والأروقة تحت عنوان “العمل المنظم الناجز” الذي كان شعارك طوال مدة خدمتك وسيأتي يوم تكتب فيه الحكاية، سنكتبها على ورق الورد، وستكون دموع زميلاتنا مداد أقلامنا، نستوحي أفكارنا من نجاحات وتفوق طلابنا، ولا نريد لهذه الحكاية نهاية، فليس للعمل التربوي نهاية.

إنها حكاية ثانوية برجا ونجوم الحكاية الأستاذ عمر وكل من ساهم في نجاح هذه المؤسسة.

هذه الثانوية هي أمانة في عنق كل واحد منا نحن أفراد الهيئة التعليمية، على مقاعدها تعلمنا وفي صفوفها ندرس الآن، هي رمز ثقافي لهذه البلدة، ومسؤولية تطويرها واجب على كل فرد منا.

وعلى من بيدهم الأمر في المجتمع السياسي والمجتمع المدني القيام بالخطوات المطلوبة لإستمرارها في أداء دورها الريادي في تعليم الأجيال وفي تربيتها، وعلى من يأتي لإدارة هذه المؤسسة أن يدرك حجم المسؤولية وأن يتصرف بكل تجرد وموضوعية بعيداً عن الفوقية، وعن الهنات والهفوات، لأن المسألة ليست مسألة مراكز ومناصب بل موقع ودور ورسالة.

أيها الأعزاء، ليست الأوسمة بيارق ونياشين تعلق على الصدور وتزينها فحسب. الوسام الحقيقي هو محبة الناس وتقديرهم .

إن ثمرة النجاح في أي عمل هو النجاح الإجتماعي الذي يخلد في ذاكرة التاريخ.

إن الإلتزام بالعمل والإهتمام بهذه الثانوية هو ما يرجوه ويتمناه الأستاذ عمر ويعتبره الوسام الفعلي الذي سيحمله طوال حياته، وهو التكريم المنطقي له ولكل صاحب ضمير حي من أمثاله.

أود وفي هذه المناسبة وباسم أفراد الهيئة التعليمية أن أوجه تحية تقدير خاصة لذلك الجندي المجهول الذي يعمل طوال النهار وفي الليل أحياناً وبكل صدق وأمانة رفيق الأستاذ عمر الدائم وساعده الأيمن الحاج محمد وجيه شبو أطال الله عمره.

وأختم قائلاً: من الناس من يعطون لأجل الشهرة، ورغبتهم في الشهرة تضيّع الفائدة من عطاياهم، ومن الناس من يعطون بفرح وفرحهم مكافأة لهم، وأجمل ما في العطاء أن من يفتح يديه وقلبه للعطاء يكون فرحه بسعيه إلى من يتقبل عطاياه أعظم من العطاء نفسه.

هنيئاً للأستاذ عمر على عطاياه وعلى ما قام به وشكراً لكم جميعاً”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى