برجا الآنوجوهٌ من بلدتي

بقلاوة للبطولة في برجا

كتب الدكتور أدهم جمال السيّد:

وصل الصهاينة إلى نهر الأولي، إحتلوا إقليم الخروب، سقط الجبل، سقطت خلدة، حوصرت بيروت، خرج المقاتلون الفلسطينيون، إرتكبت أفظع مجزرة في تاريخ لبنان الحديث في صبرا وشاتيلا.

سقطت بيروت.

لا لم تسقط بيروت، يقول مهدي عامل لمحمد دكروب بعد أن كان الصهاينة قد وصلوا إلى مدخل منزله في أحد شوارع العاصمة.

يقول مجدداً، بكل ما يختزنه المقاوم من ثقة وأمل، سنقاوم، وسترى أن بيروت لن تسقط، لن تهزم.

16  أيلول، صوت هدار ينادي إلى السلاح.

يومان أو ثلاثة أيام بعد إذاعة بيان الجبهة، وربما قبله بيومين أو شهرين أو عقدين، الطلقة الأولى، القنبلة الأولى، القذيفة الأولى.

القتيل الأول للصهاينة، الإستغاثة الأولى لجيش الإحتلال: نرجوكم أن لا تطلقوا النار، نحن منسحبون من بيروت.

ولكن البيان كان الطلقة الأهم، الموقف السياسي الذي أثبت أن العين تواجه المخرز، الموقف السياسي الذي شد العزم، وحدد البوصلة، ورفض الهزيمة.

الطلقة أصبحت طلقات، والقنبلة قنابل، والقذيفة قذائف.

حررت بيروت. وبقي الإقليم والجبل والجنوب والبقاع.

هناء.

شابة برجاوية من الحزب الشيوعي اللبناني، تزور بلدتها برجا المحتلة والمحاصرة من العدو آتية من بيروت. تحمل بيدها علبة كتب عليها “بقلاوة”. تصل إلى منزل اهلها وكان أول أيام العيد. لا تفتح العلبة.

يأتي رفيق لزيارتها. تقول له: هذه “البقلاوة” عن روح شهداء برجا.

تنفجر أول حبة بقلاوة بجيب عسكري صهيوني، وحبة أخرى بدورية مشاة، وثالثة بمدخل مركز عسكري صهيوني.

تفرغ العلبة من البقلاوة، ويُكنس الصهاينة وعملاؤهم من الإقليم تماماً كما تكنس النفايات.

يتحرر الجبل وصيدا، ولاحقاً، صور والنبطية وبنت جبيل وصولاً إلى البقاع الغربي.

تختار “هنا الغوش” العيش في صور.

وتبقى فيها حتى مساء الأمس (الخميس 30 كانون الأول 2021) لترحل عن هذه الدنيا الفانية. وتبقى سيرتها خالدة إلى الأبد، مناضلة مقاومة محبوبة من الجميع.

هذه قصة عن هناء، ولكنها من دون تفاصيل، فقط عموميات يعرفها الجميع، كما كانت حياتها، دون أي تفاصيل.

في صيف ٢٠١٨، زرتها في منزلها في برجا على عجل. قلت لها: أنا لا أعرف عن تاريخك إلا البقلاوة والبطولة.

قالت هذا يكفي.

قلت: أريد بعض التفاصيل للتاريخ، لنتعلم منها وتتعلم الأجيال القادمة.

نظرت حولها وكأنها تستطلع إن كانت مراقبة، نظرت إلى الأرض ثم السقف، ضحكت ضحكة خفيفة، وقالت: إن شالله.

لم يأت هذا اللقاء. لذا، فهذه قصة عن مناضلة مقاومة، قصة عن الآلاف من رفاقها، قصة من دون تفاصيل، قصة عنوانها “البقلاوة والبطولة”.

*هناء أحمد الغوش من مواليد برجا الشوف عام 1957، وتوفيت مساء الخميس 30 كانون الأول 2021 في مدينة صور حيث عاشت شطر عمرها هناك، ووريت الثرى قي مدافن بلدتها برجا بعد صلاة الجمعة في 31 كانون الأول 2021.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى