برجا الآنقل كلمتك

بين الأمس واليوم

كتب نور جمال المعوش : إنقلبت الموازين وتبدلت الأفكار بين ثقافة الأمس وثقافة اليوم , ففي الأمس كانت الثقافة تكتسب من الأحداث الوفيرة الناتجة عن التخالط بين الطبقات الاجتماعية المختلفة , فكان الفلاح والراعي والبائع وغيرهم يصدرون ثقافة تعلموها من الحياة .

أما اليوم فلا تكتسب سوى ثقافة المادة من مالكي المادة …
أنا لم أعش الأمس لأنني ابن اليوم  , ولكنني تعرفت عليه من خلال الأديبين الكبيرين مارون عبود وأنيس فريحة اللذين صورا لنا الماضي بحبر على ورق وكلمات معبرة أدبية شعبية جمعت بكتب كشرائط فيديو تجعلك تشاهد وتقرأ في آن معاً , وبالإضافة إلى ما اكتسبته من معلومات عن الماضي من الأديبين, فإني اكتسبت معلومات إضافية من كبار السن في بلدتي , التي كانت تتمتع بطابع قروي يجسد فعلياً ما قصدته في مقدمة كلامي …
ولنأخذ مثلاً حياة شاب يسعى إلى الثقافة آنذاك , فهذا الشاب يقضي يومه المدرسي يتعلم بمنهج مبطن غني بالمعلومات وخاصة منهج اللغة العربية الذي كان يطال ثقافات العالم أجمع وبعدها يذهب هذا الشاب إلى الحقول حيث يلهو فيلتقي مزارعاً هنا وراعياً هناك ويجلس إلى جانبهم فيقصون عليه أحداثاً وتجارب عاشوها  .

وما أكثر أحداث حياة هؤلاء , بعدها وهو عائد إلى المنزل يلتقي ببائع الأقمشة الذي يكون قد عاد , إما من فلسطين أو من سوريا أو غيرها من البلدان العربية  , وفي لحظة اللقاء تخرج الكلمات من هذا اليائع فيروي للشاب ما حصل معه من كل شاردة وواردة .

يدخل الشاب منزله ويلزم الفراش فتدور عجلة التفكير في رأسه فيستذكر ما رواه له المزارع الراعي والبائع المتجول ويأخذ العبر وينام قرير العين … ويشرق عليه فجر جديد وتعود الأحداث لتتكرر مع وجوه جديدة وباكتساب عبر مختلفة , فتخيلوا كيف تدجج هذا الشاب بالثقافة ….

نعم هكذا كانت تكتسب الثقافة , أما اليوم فيهمل الكثيرون الثقافة ويعتبرونها غير مهمة , ويسعى بعضهم الآحر لادعاء الثقافة , أما الساعون إلى الثقافة فيندر وجودهم .

هؤلاء الذين لا يبالون بالثقافة تهمهم المادة والمظاهر !

فما أتعس أياماً فيه تبقى الكتب في الأدراج  ! وما أقساها حين يأخذ الناس يتبعون ويلاحقون أصحاب المناصب ويهملون المتواضعين المثقفين ! .

زمن سادت فيه ثقافة المال وانعدمت ثقافة الفكر والتفكير …. فهذه الأمة التي تهمل الثقافة ستضحك لجهلها الأمم .

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. ليس الجمال بأثواب تزيننا

    إنما الجمال جمال العلم والادب

    مقالقة جيدة جدا الى الامام اخ نور (رائد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى