من جراب الأمس

مسلوق يا سفرجل … بفرنك يا سفرجل

من ليدز في بريطانيا كتب الدكتور المهندس بسام سالم تروا يقول : ” ليس بالماضي البعيد كانت برجا مصدر رزق وعيش لمن تيسر له ملك أرض زراعية أو بستان أو كرم زيتون . ولا يخفى على أحد ما كان وما زال وادي قصب ، هذا الوادي الخصيب في برجا ، يقدم لمالكيه المزارعين من الخير والبركة.

درويش خليل ترو ( درويش لطيفة المتوفى 1969) وزوجته الحاجة عائشة أمين تروا ( عائشة راجحة المتوفاة عام 1979 ) وأولادهما كان لهم النصيب الأوفر من أن يلعبوا دوراً في صنع تراث برجا الزراعي وما زالت ذاكرة تلك المرحلة عالقة في ذهن الأولاد والأحفاد . وقد شعرت شخصياً برغبة جامحة بنشر جزء بسيط من مواد تراثنا الشعبي البرجاوي ، علّنا نتذكر أياماً مضى عليها الدهر ولكن تأثيرها ما زال يسري في عروقنا.

الحاجة عائشة راجحة تعود معها ذكريات مبيع كل أنواع الفواكه البلدية من رمان وليمون وتوت ومشمش وأكي دنيا وسفرجا ( أخضر ومسلوق ) إما متجولة في الأحياء أو في ( الزقزوق ) أو أمام مدرستي الصبيان والبنات .

كنّا نذهب إلى مدرسة البيادر و ” جاط ” الحنبلاس والليمون معروض على الرصيف للبيع . وصوت عائشة راجحة ينادي : مسلوق يا سفرجل .. بفرنك يا سفرجل .. وودع يا أكا .

كان خليل لطيفة يزرع ويقلع ويروي من مزروعاته من مياه وادي قصب المشهورة عن طريق أقنية ترابية ، وكان ذلك يتطلب الكثير من العناء ، يبدأ بقلع شروش القصب لزرع الشتل والحبوب .. شروش القصب التي كانت تنتهي وقوداً للصاج والتنور أو للتدفئة داخل المنزل .

تلك هي ذكرى مرت بخاطري حسبت أنني فقدتها ، لكنها عادت لتعلو أعلى الذاكرة كلما رأيت ثمرة من السفرجل أو مضغت حبة من الحنبلاس ” .

جاء في كتاب الحياكة البرجاوية للشيخ جمال بشاشة : ” كانت عائشة ترو مضرب المثل بين نساء الضيعة بهمتها وتنوع أشغالها وكثرة إنتاجها حتى قال فيها محمد علي قاسم سعد قولته المشهورة : ” جميلتها أم محيى الدين ما تكون شاطرة ، مش نقطة بحر عيشة راجحة ” .

وسبب ذلك أن النسوة كن يذكرن بين يديه أنّ زوجته أم محيى الدين – درويشة يزبك حويلا – شاطرة وكادحة ومنتجة – اسم الله عليها – وكانت من أرضها بالمحوطة قرب كرم الشيخ يوسف تنقّي المشمش وتسطح التين وترص الزيتون ، بينما كانت عائشة تزرع أرضها بوادي قصب بالبندورة واللوبيا ، وتقطف ثمار الخوخ والتوت والسفرجل والحامض والليمون وتسوّقها بحارات برجا فتبيعها بأخصر وقت باحتراف عال ، فكان أبو محيى الدين يرى فيها المثال في الكدح ، ولذلك أطلق عبارته التي ذهبت مثلاً “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى