أعمال التجديد

تحت عنوان ” جامع برجا الأثري يتحرر من الباطون ويستعيد تاريخه ” كتب الأستاذ ربيع فواز في جريدة المستقبل يقول : يذكرنا وقع المطارق والأزاميل داخل مسجد برجا الكبير وقع مطارق المكتب الهندسي في مؤسسة الحريري داخل مساجد صيدا الأثرية. وللحظة غير قصيرة خلنا أننا سنلتقي الدكتور  صالح لمعي مصطفى يشرف و يلاحظ، والمهندس معروف الأتب يجلس الى طاولة محتشدة بالخرائط .

تخيل أثاره الشبه ما بين المشهدين (هنا في برجا و هناك في صيدا)، وفي وسط المشهدين ترتاح الى أن التراث(أحد عناصر الهوية”)  في عهدة العلم، وأن المطارق والأزاميل الخبيرة المدربة تعرف كيف تمسح الغبار عن الملامح الأصيلة، فإذا مسجد برجا الكبير، الطاعن في السن، يتحرر من إضافات إسمنتية اقتضاها زيادة سكان البلدة، وكانت إضافات كريمة من محسنين، في بلدة لا يندر أن يبذل أهلها مالا خاصا في سبيل منفعة عامة.

في برجا اليوم مساجد حديثة البناء، تتسع وتستوعب، فلا ضير إذا في أن تزال الإضافات على المسجد الكبير، القائم في حي الجامع، في وسط حشد من المنازل المبنية، على مر السنين، من دون مراعاة لمقتضيات تنظيم المدن..ولقد كانت إحاطة المسجد بهذه المنازل عقبة حالت دون تصويره كاملا,صورة تظهر فخامته وجماليته .فما يبدو في الصورة المرفقة بعضه، وهذه المئذنة المغالية في ارتفاعها، لتسمع الأحياء صوت مؤذنها، تقوم فوق المئذنة الأصلية التي يؤكد كبار السن أنهم رأوها، وأنها كانت جميلة فخمة، حجرية الملامح.

صار في وسع “لجنة جامع برجا الكبير”(التي يرأسها الشيخ جمال بشاشة) أن ترمم المسجد وتزيل الإضافات ولو صغر حجمه..وأما المهندس أكرم شبو(المتطوع من دون أجر,للإشراف الفني على أعمال الترميم)فلم يجرؤ على الشروع في أعمال الترميم هذه قبل أن يعاود دراسة الأبنية الأثرية المماثلة,في قدمها وطراز بنائها، ليطابق عمله شروط التعامل مع الأبنية التراثية، وما اشترطته قوانين الترميم العالمية .

وترميم المسجد الكبير في برجا مكلف,وهذا معهود في ترميم العمائر الأثرية .و”لجنة جامع برجا الكبير” المكلفة من قبل دائرة أوقاف جبل لبنان، تقدر الأكلاف كلها بمئة مليون ليرة ( وهو تقدير المهندس شبو أيضا ) . ولقد حصلت اللجنة على مساعدته لتتمكن اللجنة أيضا من بناء مسكن لإمام الجامع في ركنه الشمالي,كما تتطلع إلا مبادرات من “فاعلي الخير ” .

وعلى الرغم من قدم المسجد، وامتزاج فن العمارة الإسلامية وفن العمارة الصليبية فيه، فإن مدخله وجدرانه لا تحمل نقوشا كتابية يمكن اعتمادها في توثيق تاريخ البناء.والكتابات الموجودة اليوم داخله كتابات تؤرخ للإضافات، وهي إضافات قريبة عهد.

في واجهة قاعة صلاة مستحدثة لوحة كتابية لا تحمل تاريخا,ونصها:”شيدت هذه القاعة بمسعى ومساهمة الحاج عبد القادر أبو مرعي دمج لتكون مقرا للصلاة وتلاوة القران الكريم “وهي قاعة أقرب عهدا بشهادة العارفين.من قاعة أضيفت في العام 1350 للهجرة,على نفقة “محمد ابن حسن الكوجك”وهذا مؤرخ وفق حساب الجمل.في أبيات نظن أن ناظمها المرحوم الشيخ محمود البربير، فتأريخاته الشعرية شائعة خصوصا في شواهد قبور جبانة برجا,ما لم يكشف لنا أحد النقاب عن اسم ناظم اخر.

نص اللوحة الكتابية المذكورة هو الآتي:

محمد شاد هذا الصرح معتمدا                      على اله فعل الخير يجزيه

قد أنفق المال حبا في بنايته                          من جيبه الخاص كان المال يفديه

هذا ابن حسن الكوجك بانت ماثره                  فالحق من فضله خيرا يكافيه

ندرك أهمية الإضافات في وقتها، وندرك أهمية إزالتها اليوم,فنسأل الشيخ جمال بشاشة عن مصير اللوحتين، فيقول إن الوفاء للمحسنين “يقضي بأن نثبت اللوحتين في مكان ما من المسجد,بعد إنجاز ترميمه..وسنثبتهما ظاهرتين للعيان ” .

وبعد، فمسجد برجا الكبير شاهد على قدم العمران على الساحل اللبناني، ونحن نحسب أنها كانت ثغرا متقدما للدفاع عن الدولة العربية الإسلامية وما كان الثغريون ليستغنوا عن مسجد يصلون فيه وربما وجدوا في مرحلة ما من تاريخ الصراع مع الافرنج قلعة صغيرة فجعلوها مسجدا أو أنهم استوعبوا فن العمارة الصليبية فمزجوا بينه وبين فن عمارتهم .ففي مسجد برجا هذا ملامح من عمارة المسجد العمري الكبير في صيدا، وملامح من قلعة طرابلس، وتتجلى في الجدران السميكة والأعمدة الداخلة في لحمتها، البارزة خارج سطحها.وما سوى ذلك عقود متصالبة مألوفة في العمارة العربية الإسلامية، ومحراب يبدو أنه منحوت نحتا في الجدار القبلي السميك، ومنبر بسيط مبلط كله!

رئيس” لجنة جامع برجا الكبير”الشيخ جمال بشاشة قال ل”المستقبل” إن ترميم المسجد تحقيق لحلم قديم “وقد تمكنا من الشروع فيه بفضل المساعدة التي أقرها الصندوق المركزي للمهجرين,ومقدارها ثمانية عشر مليون ليرة .وكانت بمسعى من النائب محمد الحجار .ونحن نعتمد أيضا على صندوق اللجنة، وسننظم حملة تبرعات خصوصا في البلدة، ونأمل أن يقدم إلينا الصندوق المركزي مساعدة إضافية لأن أعمال الترميم ستكلفنا الكثير، كما اننا بصدد إنشاء غرفة لإمام الجامع ..المهم أننا لن نتراجع عن إنجاز الترميم”.

ويذكر الشيخ بشاشة أن اللجنة ستنشر كتيبا يتضمن ما توفر حتى الان من معلومات تاريخية عن المسجد الذي “نظن أنه يرجع الى مرحلة الصراع مع الصليبيين، وخصوصا أن المراجع والمصادر تتحدث عن دور بارز لبرجا وبعاصير القريبة في مقاومة هجمات الصليبيين ” .

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى