وجوهٌ من بلدتي

عندما تمطر السماء حنيناً لسالم المعوش

كتب إبراهيم فضل الله : “تقدم رواية سالم المعوش “عندما تمطر السماء حنينا” الصادرة عن “دار الحداثة”، بيروت، مادة غنية لإشكالية العلاقة بين الأدب والمجتمع.

لا غرابة في ان المتخيل الروائي اللبناني شغلته قضايا مجتمعه من الحرب الأهلية وتداعياتها وتشعباتها إلى قضايا الطوائف وعلاقاتها المتباينة أو المتوافقة.

يشرّح السرد المجتمع اللبناني عشية الحرب الأهلية من خلال حنين، الشاب المسلم الذي يأتي من بيئة فقيرة مشبعة بالثقافة الإسلامية المعززة بالإنتماء القومي العربي، وتجرّ الأحداث هذا الشاب إلى علاقة روحية مع سماء، الراهبة المقيمة في دير القمير، البلدة المسيحية القريبة من القرية المسلمة شارفة، مسقط رأس حنين.
ترمز شخصية الراهبة سماء في الرواية الى لبنان قبل السبعينات، ايام الرخاء، والجمال، والفن، والثقافة، وترمز ايضاً إلى روحية الدين المسيحي المتمثل في القيم الأخلاقية والمثل العليا، وهي استعارة لروح الوطن، ورسالته الحضارية القائمة على المحبة والتسامح، وتشكل في الوقت نفسه وسيلة للتعبير عن الحب الدافع الى الإرتقاء في الروح نحو الاعلى، حيث المثل العليا والتسامي.

تتضح جمالية الرواية في دوافعها الواقعية، وجوهرها السردي القائم على تقنية تسجيلية تلقينية، لا تختص بالسرد العربي فقط وإنما تتعداه إلى الآداب العالمية. هذا هو الجوهر الذي تسير عليه الرواية العربية عبر تاريخها السردي، لأن بنيتها تقوم على سلطة الأمر التخيلي، والتعليم السردي.

ابرز جماليات هذه الرواية تتمحور حول قضايا متنوعة اهمها سلطة النص السردي الذي يعمل كصدى لسلطة خارجية تمور داخل المتخيل الروائي لإبعاد الأسطرة، والدلالة على المسكوت عنه، والإشارة إلى المكبوت، وتحديد إمكانات المسموح به للقارئ المفترض عبر افق التوقع المستند إلى أرصدة ثقافية متنوعة.
من جماليات هذه الرواية أنها في فضائها السردي أقرب الى الواقعية المؤسسة على نوع من جمالية تخيلية، لذا يتم شحنها بتعاليم تنزع الى توضيح حقيقة عقائدية (الإسلام الصحيح، الإيمان الحقيقي، المسيحية الحقة)، أو سياسية (نبذ الطائفية، الدعوة الى الوحدة الوطنية، لبنان المعادي لإسرائيل)، أو فلسفية (الحب العذري، البعد عن الدنس، رفض الرذيلة، الدعوة الى الأخلاق الحميدة).

يعكس الحقل البلاغي مسارات التحولات الإجتماعية الإستنهاضية الإستنارية. وتتمثل هذه التحولات في شخوص: حنين، صديقه سميح، إمام بلدة شارفة الشيخ عارف، الراهبة سماء، انبيس، الكاهن يوسف رئيس الدير. في مقابل الشخوص التي تجر البلد الى الرذيلة والدمار والحرب الطائفية وابرزهم المسلحون الغرباء عن الدير، اندره، الراهب ميشال، التنظيمات المستقلة في شارفة، ومختارها.
تتميز الرواية أيضاً بنقل الصراع الإجتماعي الذي كان محتدما في لبنان في فترة الستينات من القرن الماضي، إضافة إلى الصراع الطائفي الذي بدأ يطل بقرنيه مع بدايات الحرب الأهلية اللبنانية.

كما أنها تعالج إشكالية الروح والجسد من خلال شخصية الراهبة سماء التي ترمز الى الروح، والتي تعيش بعيدا من رغبات الجسد مع وجود المغريات الكثيرة من حولها، وكذلك يفعل حنين الذي يتعلق بحب الراهبة، ويحاول قمع رغباته الجنسية اكراما لها، لكنهما في النهاية يقعان في لذة الجسد (الراهبة تغتصب وهي مخدرة، وحنين يمارس الجنس مع البغايا تحت تأثير نوع من الهذيان).
يكتب المعوش روايته بقلم الراوي العالم بتقنيات الرواية الحديثة، كما بقلم عالم الاجتماع الذي يضع قضايا مجتمعه على مشرحة التحليل والنقد، فيبتر الفاسد والمقيت، ويقوّم المعوّج، ويعالج المريض. بذلك ليست رواية “عندما تمطر السماء حنيناً” سوى تعبير عن مفهوم عاطفي للوحدة الوطنية اللبنانية.

منقول عن جريدة النهار 7 / 10 / 2012 .

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مبروك هذا الكتاب الجديد وإلى المزيد من العطاء والإبداع يا دكتور سالم.

  2. مبروك للصديق العزيز الدكتور سالم على اصداره الجديد مع الدعاء بالتوفيق الى ابداعات جديدة. لقد امطرت السمات حنيناً يوم كنا معاً. ترى هل سيأتي الرهام قريباً؟!
    المحب نجيب الغوش
    الولايات المتحدة الامريكية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى