منبر الجمعة

أيها البرجاويون : خذوا العلم من أكابركم

دعا شيخ الجامع الكبير في برجا الشوف جمال جميل بشاشة في خطبة الجمعة 14 ذو القعدة 1431 هـ الموافق 22 تشرين الأول 2010 م إلى أن يستمسكوا بالطيب من القول وأن يلجأوا إلى مراجعهم المعتبرة في كل شؤونهم وقضاياهم ، وفي مقدمتها الأزهر الشريف وأئمته العلماء الكبار وعلى رأسهم شيخ الإسلام الإمام الأكبر شيخ الأزهر محمد أحمد الطيب . ومما جاء في الخطبة : ” لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم من أكابرهم ، فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا ، والأكابر ليسوا أصحاب الجثث الضخمة ، ولا الثروات العريضة ، ولا الوظائف والمناصب المهيبة … الأكابر في فهم ابن مسعود راوي هذا الحديث هم أصحاب الهمم البعيدة والمروءات العالية ، والعفة الظاهرة ، والأفئدة الطاهرة الزكية  ، والرأي السديد والفكر الرشيد .

واسمعوا إلى هذه البيان الذي صدر عن كبير من هؤلاء الأكابر وهو شيخ الإسلام الإمام الأكبر شيخ الأزهر :  ”  تلقيت بالتقدير والترحيب الفتوى الكريمة التي أصدرها سماحة الإمام علي الخامنئي بتحريم الإساءة إلى الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أو المساس بأمهات المؤمنين أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي فتوى تصدر عن علم صحيح ، وعن إدراك عميق لخطورة ما يقوم به أهل الفتنة ، وتعبر عن حرص على وحدة المسلمين .

وإنني من موقع العلم ، ومن واقع المسؤولية الشرعية ، أقرر أن السعي لوحدة المسلمين فرض ، وأن الإختلاف بين المذاهب الإسلامية ينبغي أن يبقى محصوراً في دائرة الإختلاف في الرأي والإجتهاد بين العلماء وأصحاب الرأي وألا يمس وحدة الأمة .

وإن الأزهر الشريف ليدعو المسلمين لأن يعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا ، وأن يجمعوا جهودهم للعمل من أجل رفعة الإسلام ، ووحدة المسلمين ، وعزة الأوطان ، وإرساء السلام بين الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأجناسهم .

وختاماً فإن الأزهر الشريف يوجه تحية صادقة للإمام علي الخامنئي على فتواه الكريمة التي أتت في أوانها لترأب الصدع وتغلق أبواب الفتنة ، ويدعو الله تعالى أن تكون فاتحة خير ، وبداية لعمل جاد موصول ، لجمع المسلمين على كلمة سواء بعيداً عن دعاوى الغلو والتطرف ، ودعاة الفرقة والخلاف ” .

فتوى السيد الخامنئي ورأي شيخ الأزهر  سلوك حميد  له الأثر الطيب لتخفيف هذا الإحتقان وفوران الغرائز السائد اليوم ، وهو في  حقيقة الأمر احتقان وخلاف سياسي يلبس لبوس الطائفية والمذهبية .

هناك خلاف سياسي ، يريد الغلاة عند الطرفين أن يأخذوه إلى جمهور العامة في بلاد العرب والمسلمين على أنه تاريخي عقائدي ، ويرى بعض المؤججين السياسيين أن بمقدورهم أخذ الخلاف السياسي الحاصل إلى مكان مظلم وطائفي حيث يسهل لأهل الفتنة تبسيط الأمور وطرحها على عموم الناس تخويفاً من الآخر أو إغراء للحشد والتحزب .

اسمعوا إلى الكلام الحكيم الصادر عن رجل كبير وحكيم هو الامام شيخ الأزهر حماه الله وسدده ورعاه :  ” هناك فتنة يخطط لها ويراد لها أن تنبعث في بلاد الإسلام ، إن لم ننكر هذه الفتنة ونحاربها لن نستطيع أن نرفع رؤوسنا في يوم من الأيام . ومن يدعو إلى الفتنة يريد لإسرائيل أن تبقى سيدة في شرقنا العربي .

المتشددون على الجانبين وفي الطرفين يتحملون جزءاً من المسؤولية حول هذه الفتنة … هناك فضائيات تحكم بكفر الشيعة وأخرى بكفر السنة ، وهذا شيء مرفوض وغير مقبول ولا نجد له مبرراً من كتاب ولا سنة ولا إسلام .

لا يوجد خلاف بين السني والشيعي يخرجه من الإسلام ، إنما هي عملية إستغلال السياسة لهذه الخلافات كما حدث للمذاهب الفقهية الأربعة من تاريخنا ،  ( حيث كان أتباع كل مذهب عند أهل السنة لا يصلون إلا خلف علماء مذهبهم )  أهم الفروق بيننا وبينهم هي مسألة الإمامة ، وعندنا الإمامة بالإختيار والرسول ترك للمسلمين اختيار أئمتهم وخلفائهم وهم يقولون إن النبي أوصى للإمام علي ” .

الأزمة تكمن في إستغلال الفروقات المذهبية من قِبَل أهل السياسة لأغراض شتى ، فيما يستغل أعداء الأمة العربية والإسلامية هذا الإختلاف وهذه الفروقات لنشر الفرقة وبث الخلاف وتفتيت الأوطان لضرب وحدة الأمة ومنعتها .

أيها المؤمنون : لقد عاش السنة والشيعة في رحاب الوطن الإسلامي الكبير عبر العصور والمراحل في وئام وسلام ، وهما يشكلان عنصرين أساسيين من عناصر تكوين الأمة ، وهما مكونان سيبقيان إلى ما شاء الله .

ولقد جرّبت كثير من الأمم والشعوب في التاريخ القديم والحديث الحروب الطائفية والمذهبية فكان مآلها الفشل الذريع في حل المشكلات والقضايا التي عانت منها ، وكل قارىء للتاريخ يعلم علم اليقين نتيجة ذلك على الرغم من الدماء التي سالت ، في التجربة الإسلامية ، وفي كل تجربة إنسانية أخرى . وما يجري في العراق دليل واضح جلي على ما نقول .

الحل العقلاني والمنطقي هو أن ندير خلافاتنا داخل أوطاننا في ضوء هدي الإسلام والقرآن الذي يحض المؤمنين على التسامح والترفع ، وإدارة الإختلاف السياسي بالحوار الموضوعي البناء .

تحية لأئمتنا الكبار ، تحية للأزهر الذي سيظل كوكبة العصر ، وموئلنا في الأزمات ، ومرجعنا في الملمات ، ندعو الله أن يُبقيه محراباً للأمجاد ، وعلماً للنجباء والعقلاء .. تحية للكلم الطيب الذي صدر من الإمام الأكبر الطيب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى