قل كلمتك

المصعد المصري

كتب أمين قمورية : كانت مصر ولا تزال مصعد العالم العربي ، إن هي صعدت صعد معها هذا العالم ووجد لنفسه مكاناً على الخريطة الدولية ، وإن هي هبطت هبط معها كل من حولها ودخلوا معاً الزمن الرديء . مصر ليست كأي دولة عربية أخرى ، فإن تغيرت لن تغير نفسها فحسب بل تغير معها وجه المنطقة من المحيط إلى الخليج . وإذا كانت الانتفاضة التونسية السباقة في قلب الحاكم المستبد الذي أمسك بخناق البلد بيد من حديد طوال 23 سنة ،  وكان ربيعها القدوة والفاتحة لفصول مشمسة ومزهرة في أكثر من مكان ودولة ، فإن لانتفاضة مصر معاني مختلفة وتداعيات أعمق بكثير على المحيط من تلك التي انتصرت في تونس .

ثورة مصر في 1952 لم تكن فقط إطاحة للملكية وتأسيساً للجمهورية في أكبر بلد عربي ، بل كانت فاتحة لتحولات كبرى من المحيط إلى الخليج وفي العالم الثالث . كانت الشرارة التي قصمت ظهر ممالك وقوى احتلال واستعمار ، وبعدها تغيرت أنظمة وتبدلت سياسات ، قامت تحالفات وانهارت أحلاف ، إشتعلت ثورات واندلعت حروب غيرت وجه العالم وتركت بصماتها على مجمل السياسة الدولية وغيرت وجه المنطقة .

مرة أخرى ، كانت مصر شرارة التغيير في المنطقة ولكن في الاتجاه المعاكس ، فزيارة الرئيس أنور السادات لإسرائيل بعد توقيع اتفاقي كمب ديفيد عام  1978 ، لم تكن مجرد حدث ديبلوماسي تاريخي ، بل كانت أيضاً ثورة ، لكن هذه المرة عبر انقلاب من داخل النظام عليه وعلى منطلقاته ومبادئه .

كانت الزيارة بمثابة ثورة مضادة لثورة 1952 وكانت تداعياتها الخارجية أكبر بكثير من تلك الداخلية . بعدها أيضاً تغير وجه المنطقة وانقسمت الجامعة العربية على نفسها ، فكانت التحولات الفلسطينية ، وتأجيج حرب لبنان ، وممهدات حرب الخليج ، وكانت الجروح العميقة التي لم تلتئم بعد .

بعواصفها الكبيرة تصنع مصر التغيير ، وبسكونها القاتل تشرع للآخرين أيضاً أبواب التغيير المضاد . فعندما تنام نواطير مصر عن ثعالبها تصير الساحات العربية ملاعب للآخرين . غفت مصر طوال العقود الثلاثة الأخيرة عن دورها فاستسهل الآخرون ملء الفراغات بالمناسب وغير المناسب ، نامت مصر فانشطر السودان سودانين أو ربما أكثر ، تبخرت القضية الفلسطينية أو تكاد ، دمر العراق وتشرذم ، إنكسرت أضلاع المثلث العربي وبرزت إيران وتركيا وإسرائيل كأقوى اللاعبين على الأرض العربية و…!

اليوم تنتفض مصر ليس فقط على حاكمها بل على نفسها أيضاً . هي لن تغير رئيساً وحكومة فحسب بل الدور والوظيفة . وبما أن مصر كانت على الدوام مفتاح التغيير في المنطقة ، فالأرجح أن كل شيء سيكون موقتاً في لبنان وفي فلسطين ومن المحيط إلى الخليج في انتظار الكلمة المصرية الفصل ، وفي انتظار معرفة إلى أين سيتجه المصعد المصري … نقلاً عن جريدة النهار اللبنانية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى