من جراب الأمس

العلاّمة الشيخ فهيم أبو عبيه

” رحل بالأمس عن دنيانا الشيخ أبو عبيه الرئيس الأسبق لبعثة الأزهر في لبنان، وهو الذي تولّى هذه المهمة منذ بداية الستينات ليستقر في بيروت التي أحبها ومن ثم ليدفن في ترابها، بعد أن أْخذ قراره بالبقاء فيها طالما بقي حيّاً.

كان لبيروت مكانة خاصة جداً لدى هذا العالِم الجليل، المصري والعربي والإسلامي، الذي انبرى للدفاع عنها لتأكيد دورها الوطني والعربي لفترة طويلة من الزمن، استخدم المنابر للدفاع عن حقوق أهلها بكل شجاعة، فكان الخطيب المفوّه لتأكيد هذا الدور الطليعي لبيروت، التي شكّلت وما زالت نقطة الإرتكاز مع القاهرة ودمشق والرياض حيث تتجه البوصلة دائماً من أجل بلورة رؤية عربية وإسلامية تصون حقوق المواطن العربي في حريته ومعيشته . الشيخ فهيم أبو عبيه الذي حلم بأن يتولى مهام شيخ الأزهر في الستينات من القرن الماضي، فكان القرار بأن يتولى مهمة أصعب وأدق وأفعل في بيروت.

العلماء والعامة والقادة السياسيون من رؤساء حكومات ووزراء ونواب كانوا يحرصون أشد الحرص لأْداء صلاة الجمعة في مسجد المجيدية في الوسط التجاري لبيروت المطل على البحر من أجل الإستماع إلى خطبة الجمعة من سيّد المنابر الشيخ فهيم.

كان لمواقفه السياسية ولموعظته الدينية الأثر القوي في توجهات الناس وفي مقدمتهم السياسيون الذين كانو يحرصون على مصافحته بعد كل صلاة جمعة.

كان أستاذاً لنا في أزهر لبنان، لم نعرف عنه يوماً أنه كان يهتم سوى بالأصول والقضايا المركزية لأمتنا، فمسيرة هذا العالِم الجليل كانت مليئة بالعطاءات، كما كانت انعكاساً لمرحلة العمل الوحدوي ومواجهة المشاريع الإستعمارية عبر توحيد طاقات الأمة وتسخيرها في المعركة المصيرية.

روى لتلاميذه يوماً حادثة طريفة يقول فيها ” أنّه في أحد ايام الجمعة من شهر رمضان أعلن أنه علم بأن بعض زعماء المسلمين لا يصومون رمضان، وإذ في الأيام التي تلت يزوره عدد منهم يعلنون توبتهم وعزمهم على الصيام”، ويقول في الأساس ما أعلنته عن علمي بذلك ليس صحيحاً ، وإنما كان من باب التخمين، ولكن كل واحد من هؤلاء السياسيين أعتقد أنني أعلم بأنه تارك للصيام “. الشيخ فهيم أبو عبيه القادم من ريف مصر رأى في بيروت منارة كبيرة فأحبها وأعطاها فكره وجهده فشكّل جزءاً هاماً من تاريخها العظيم، فأْهلها لم يبخلوا عليه بحب كبير وتقدير لا حدود له.

رحم الله الشيخ فهيم الذي آمن بهذا البلد ودوره إيماناً يفوق كثيراً إيمان كثيرين من أبنائه، فعمل لوحدة لبنان أرضاً وشعباً لأكثر من نصف قرن مضى، وهو اليوم ينتقل إلى جوار ربه حيث تحتضنه بيروت في رحلته الأبدية ليسكن إلى جوار علمائنا وأساتذتنا الأجلاء المفتي الشهيد حسن خالد والعالم الكبير الشيخ سعدي ياسين.

إنه حقاً علم بارز من زمن جميل مليء بالأحلام والتطلعات من أجل غدٍ أفضل يسود ساحات وطننا العربي والإسلامي”.

وكان رحمه الله يتردد دائماً إبان رئاستة بعثة الأزهرالشريف على بلدتنا برجا الشوف ، ويزورها بين الحين والحين، وقد خطب في جامعها الكبير أكثر من مرة ، وكان له ببرجا صداقات عديدة مع وجهائها والعاملين في الشأنين الوقفي والدعوي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. العالم المفكر بعقله خير من العالم الناقل لتراث متوارث
    الشيخ فهيم من اقوى الشيوخ الى قدمت للبنان دين عقلانى بمعنى الكلمه وليس تعصبى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى