ربيع برجا الآتي

أكد شيخ الجامع الكبير في برجا الشوف جمال بشاشة في خطبة الجمعة 5 آب 2011 الموافق 6 رمضان 1432 على حرمة النفس الإنسانية وتجريم القتل بغير وجه حق , في إشارة إلى القتل المستعر في العديد من البلاد العربية إثر انتفاضات الشعوب المطالبة بالحرية والكرامة فقال : ذات يوم عثر أهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم على جثة قتيل لم يُعرف قاتله ، فجمع الرسول الناس وصعد المنبر غاضباً وقال : ” يُقتل فيكم قتيل وأنا فيكم ، ولا يُعلم قاتله ؟ والله لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرىء لعذبهم الله ولكبهم على وجوههم في النار ” . أنظروا كيف يبلغ نبي الإسلام أوج الإيمان بالنفس الإنسانية حين يقول في كلمات شاهقة عالية : ” لزوال الدنيا أهون على الله من دم يُسفك بغير حق ” .

لو لم يكن للنبي سوى هذا الحديث ، لكان كافياً للدلالة على ما يكنه هذا الإنسان الكبير من ولاء منقطع النظير ، ومن تقدير لحرمة الإنسان يفوق كل تقدير !

 واعتبر أن القاسم المشترك في المشهد العربي العام من المغرب المحترق إلى المشرق الملتهب هو مأساة الحاكم ومبالغته في الاعتماد على طاقة الناس في التحمل ، وإساءة تفسير الصمت والصبر .

وأشار إلى أننا نحن الشعوب الوحيدة التي يسمى فيها الحاكم قائداً ، وكأنما الجميع قطيع . كم يجب أن تفقد الدولة من البشر لكي تقتنع بأن الناس في الوطن شركاء لا أجراء ، وبشر لا قطيع ، وحكم القانون لا سيطرة شريعة الغاب !

نصف قرن مضى أو أكثر بدأ بمجموعة من أحلام تراءت للعربي في يقظته ويقظة وعيه القومي ، وانتهى اليوم في مجموعة كوابيس ، حلم العربي بالحرية فاتسعت أمامه السجون على نحو لم يعرفه حتى في أسوأ أيام الإستعمار ، حلم بالوحدة فرآها تضيع وتتبدد ، حلم العربي بالعيش الهانىء والرقي وأن يكتفي ، فإذا بالأنظمة التعليمية تهبط والبطالة تسيطر على مستقبل الشباب وتهدر كراماتهم وتشتتهم وراء البحار .

نصف قرن مرير مر وقاس ، كنا نحلم بوحدة الأمة فصرنا نخشى تفكك البلدان … أمة أهملت نفسها في العقود الأخيرة حتى نسى الحكام أن سنة البقاء لا استثناء فيها إلا للحي القيوم .

وتطرق في الخطبة الثانية إلى الشأن البلدي والإنمائي في برجا فقال : يقولون : إن العربي البدوي يمل الرتابة الطاغية في الصحراء ، ملل وزهق … كومة رمل وهضاب من رمل وقحط ويباس وجفاف وحرّ وشوْب ، لذلك هو لا يحلم إلا بالتغيير ، فما إن يرى واحة فيها شجر وخضرة وماء وحياة حتى يسجد ويشكر .

وحالنا في برجا اليوم كحال البدوي الذي ملّ الفقر والتخلف وطغيان الإهمال الإنمائي في بلدته , الطاغي كحبات الرمل . أليس من حق البرجاوي أن يحلم بواحة مزهرة من الإنماء بدل القحط والفشل السائد . حلمنا بالتغيير في السلطة المحلية المتمثلة بالمجلس البلدي فإذا كل ذلك يتبدد ويتراجع ، حيث الإفلاس اليوم هو السائد والمسيطر … بعد سنة وأشهر ماذا جنينا : التخبط والارتجال والغياب الكبير والفشل الذريع .

السلطة أمانة ، والأمانة تقتضي أن يخلص الرجل لشغله ، وأن يعنى بإجادته واتقانه ، وأن يسهر على حقوق الناس التي وضعت بين يديه ، لا أن ينام عنها ويشخر فتضيع .

وأشاد بمبادرة ثلة من شباب برجا قامت بأعمال راقية على أعتاب رمضان المبارك فقال : برجا ما ماتت فيها الهمة ولا وهنت ، ولا ضعفت عزائم شبابها ، شباب ساحة العين ورواد المساجد أبهجوا ساحتنا ودروب الجامع الكبير بالزينة الزاهية الألوان فيما البلدية والأحزاب والزعماء والجمعيات غارقون في السبات والنوم العميق .

مجموعة كبيرة من شباب برجا لا ينتمون إلا إلى برجا المزدهرة والنامية والصاعدة زيّنوا الساحة ، دهنوا أبواب وحيطان الزقزوق ، وشطفوا الدورب المحيطة بالجامع الكبير على نفقة أهل الخير والعطاء . نعم بهم يكبر الأمل ويتوسع الحلم ويزهر ربيع برجا المقبل والآتي .