برجا الآنقل كلمتك

حب الظهور عندما يقطع الظهور

كتب أ‌ .جمال نور المعوش * : هو اسم لسيارة من مجموعة BMW الألمانية الصنع والرائجة في سوق السيارات في لبنان وتلفظ بالإنكليزية ( X fayve ) الرقم 5 بالعربية .

إخترت هذا العنوان لمقالتي هذه لأدل على رمزية معينة لها علاقة بالسلوك الإجتماعي لبعض الناس , وليس القصد هذه السيارة بالذات بل معظم السيارات الحديثة الفارهة .

إن استخدام الإنسان للتقنيات الحديثة يترتب عليه بالضرورة تغيراً في سلوكه وتصرفاته بتأثير هذه التقنية أو تلك .

المعروف أن اللبناني مولع بالمظاهر وبكل ما هو جديد وحديث ومقلد بارع لنمط الآخرين وهو يملك قدرة فائقة على تجاهل الماضي والتنكر له ونسيانه خاصة ما هو إيجابي ومفيد منه : شعار بعضهم ( حب الظهور ولو قطع الظهور ) .

كثيرون يسعون وراء المظاهر ( Prestige ( بحيث أصبحت جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية أخطر ما فيها أنها قد تصل إلى حد الهوس عند البعض ، وهذا هو ظاهر في بلدتنا برجا وفي كل لبنان وعند الكثيرين من الأسر .

لقطة ( fayve ) لها في الجانب النفسي صدى يوحي بالأبهة عند بعض الفتيان والفتيات الكبار والصغار على حد سواء . وخصوصاً النساء منهم .

تقول إحداهن مثلاً : ” سيارتنا أصبحت قديمة نحن بحاجة إلى تغييرها ، سنشتري ( X fayve ) وندفع ثمنها بالتقسيط ولو تضايقنا مادياً ” ، هكذا تحادث صديقاتها من باب الإستعراض والمباهاة ، لا شك أن سلوك هذه المرأة وتصرفها ونمط عيشها وطريقة تعاطيها مع غيرها حتماً ستتغير ( بعد x fayve ليس كما قبله ) .

فالحالة الجديدة بحاجة إلى ترتيبات وبروتوكول يجب أن يراعى ، وهنا بالذات مكمن القلق ، الهاتف الخلوي يجب أن يكون أحدث والنظارات السوداء يجب أن تكون أكبر وتراعي هندسة الوجهة ( X fayve ) والثياب والأساور وو … يجب أن نتغير لنواكب أحدث الموديلات ناهيك عن قيادة بعضهم للسيارة بسرعة مضافاً إليها العصبية والإنفعال وهو ما يفقد المرأة أنوثتها في بعض الأحيان .

كان إختراع الإنسان للآلة والسيارة بالتحديد بدافع الحاجة والمصلحة ولتسهيل أموره الحياتية إضافة طبعاً عند من يستعملها ويستهلكها وليس عند مخترعها إلى وسيلة للتعالي والتفاخر حتى أضحى هذا التعالي والتفاخر جزءاً من ثقافتنا وبديلاً عن ثقافة التواضع والقناعة ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل عن جهل وقصور في فهم الحياة .

وإذا كنت أركز على العنصر النسائي فلا يعني ذلك أنني أعفي الرجال بل لأن النساء هو الأكثر تبنياً للمظاهر ولما تعتقد أنه يرفع من شأنها في المجتمع . فكم تغير سلوك نساء اليوم عن نساء الأمس ولا أقصد الجانب الأخلاقي بل جانب السلوك والتصرف ونماذج الحياة اليومية , فلا تكتمل الصورة عند بعضهم إلا بقيادة سيارة حديثة وفي يدها اليسرى هاتفها الخلوي , ونظارتها السوداء تكاد تحجب وجهها وفي المقعد الخلفي تجلس الخادمة ( سرلانكية أو أثيوبية لا فرق ) تراها تقف عند إحدى المحلات تطلق العنان للزمور للحام مثلاً بسرعة تطلب منه اللحم بعجين تقول : أرسله إلى الفرن والفرن يوصله للبيت على طريقة ما يسمونه ( deliveri ) وتمضي إلى حيث هي ذاهبة وهكذا .

حتى إن بعض الأزواج وإمعاناً في التواضع وبالشكل فقط يقتني هو سيارة قديمة ويجلب لزوجته رانجاً حديثاً لتكون راضية مرضية .

إلى أين من كل هذا ؟

نعم لقد تبدلت الأحوال كثيراً وهذا ما هو طبيعي وبديهي في ظل هذا الإنفتاح والتواصل بين البشر إلا أن البعض منا لا يأخذ إلا ما هو سطحي من هذا التطور . يهمل المضمون الفعلي له ، وإذا كنت سأعرض هذه المفارقة بين نساء اليوم ونساء الأمس فلأنني أريد الإضاءة على حياة عاشها الآباء والأجداد علّ في ذلك إفادة لنا في القادم من الأيام .

مساكين أمهاتنا ! كنّ فعلاً أمهات لما تحملوه من مصاعب  ومشقات في عملهم في البيت وفي الحقل وغيره ، كن يتحادثن عندما يلتقين مع بعضهن , يقلن :

” أم خالد جابت صاج جديد ما أحلى خبزاتو ) و ( أم معروف عصرت بندورة وعملت رب أحمر كالورد ) و ( أم حسين غليت قمح وعملت برغل مطبق القلب بياكل منو ) و ( أم علي عملت كشك أبيض متل التلج ) , إلى ما هنالك من التفاخر والتباهي بما أنتجت وأنجزت في عملها وبما هو ضروري في الحياة وليس بما هو كمالي وإضافي لا يغني ولا يريح .

أما اليوم في الحياة وعند بعضهم عندما تلتقي المرأة مع غيرها من النساء يستعرضن في حديثهن مثلاً : ” فلانة اشترت ثيابها من أحد المحلات المشهورة وأخرى بدلت مدرسة أولادها بمدرسة أشهر وأغلى وثالثة غيرت سيارتها ورابعة آتية للتو من أحد المطاعم الفخمة أو من مطعم المأكولات السريعة ( K.F.C ) وخامسة تفكر بتبديل الخادمة الأثيوبية بأخرى فلبينية وسادسة لم يعد أثاث منزلها مناسباً لمكانتها تريد تجديده ، هكذا يتباهين لكنهن في نفس الوقت يشتكين ، تقول إحداهن : ” اضطر للإقتراض من والدي بعد أن نفد راتبنا في منتصف الشهر , المهم أن أظهر بمظهر لائق أمام الآخرين ” ، المظاهر أصبحت أهم من أي شيء آخر بالرغم من وجود أولويات تستحق أن تكون الأهم .

مهلاً أيها السادة : من قال إن المظاهر والسلوكيات تحقق السعادة لكم ، السعادة الحقيقية ليست فيما تقتنون بل السعادة بما تنتجون وبما تعطون أيضاً ( فلاح مكفي سلطان مخفي ) كما يقول المثل ( زاد واحد بيطعمي اتنين ولا خروف محشي بالدين ) و ( فضاوة البال أحلى مكسب والقناعة أحلى رأسمال ) .

نعم القناعة كنز لا يفنى لكن الطموح مشروع ، الطموح نحو الأفضل والأحسن .

نتمنى على هذا الجيل في تعاطيه مع الحياة الحديثة أن يفكر ملياً بما هو فاعل ولا تتحول المظاهر إلى هم وهاجس .

لا نقصد بذلك أننا يجب أن نبقى على ما كنا وأن نعيش ذات الحياة التي عاشها الآباء والأجداد ، فالتجديد والتطوير ضروري جداً ويساهم في رفع مستوى الحياة البشرية وفي سعادة الإنسان ورفاهيته ، ويجب أن لا نوازن بين الحاجة والمصلحة وبين المظاهر ، فلنركز على ما هو ضروري ونحقق قدر الإمكان ما هو كمالي ، وليكن التواضع والعلاقات الإجتماعية البسيطة وغير المعقدة شعارنا بعيداً عن التزلق والتملق والمحاباة .

إستذكروا دائماً قول أحد كبار أدباء لبنان ( الويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج ) .

* أستاذ العلوم الاجتماعية في ثانوية برجا الرسمية .

 

مقالات ذات صلة

‫10 تعليقات

  1. نادر مقال منيح ما باه شي … بس اكيد التلم الاعوج من التور الكبير ما هيك ؟؟ واذا بدو يركز على النساء اوكي يركز بس الحق على الرجل يللي اختار هيك مرا والحق على الاهل يللي ربوا هيك ولاد !! انا بوافقو على يللي عم يصير بس كان لازم يحكي شوي عن وضع الرجال وكيف بسوقوا السيارة كمان وكيف بيتصرفوا وكيف كان الرجال زمان وكيف هلق 🙂 صباح الخير ابن عمي

  2. ( وإذا كنت أركز على العنصر النسائي فلا يعني ذلك أنني أعفي الرجال بل لأن النساء هو الأكثر تبايناً للمظاهر ) … المقال double face (حتى إن بعض الأزواج وإمعاناً في التواضع وبالشكل فقط يقتني هو سيارة قديمة ويجلب لزوجته رانجاً حديثاً لتكون راضية مرضية .) تناول الرجال بأبشع صورة … كمان كلمة نساء أو رجال ما بتعني كل النساء أو كل الرجال 🙂 نهارك سعيد.

  3. X5 مقال رائع نتمنى من الجميع قرائته لأنه يجسد واقعا لا يمكن لأي منا أن يخفيه…..كاتب المقال: استاذ جمال المعوش

  4. استاذ جمال يجب عليك ان تكتب كل يوم فنحن منك نستفيد لقد صورت الحاضر بصدق وارجعتنا الى الماضي الجميل وهذا الماضي هو ما نحب يا ليت الماضي يعود فاْنا مستعد ان اترك كل المظاهر الكاذبة الفارغة تكلم استاذ جمال ونحن سنصمت ونستمع فالسكوت بحضرة الجمال جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى