برجا الآن

الفنان أحمد قعبور : لست وكيلاً حصرياً للأغنية الوطنية

قعب


عائلة قعبور من العائلات البرجاوية التي هاجرت من برجا أوائل القرن العشرين باتجاه بيروت ، وهي كما يردد كبار السن فرع من عائلة ” أبو خشفة ” البرجاوية . حملت سجلات نفوس برجا رقمي 408 و 409 لآل قعبور مع إحصاء العام 1932 ، ثم لاحقاً أشير إليها بأنهم نقلوا سجلاتهم إلى العاصمة بيروت .
وموقع بلدة برجا يسره أن يقدم عبر صفحاته طرفاً من سيرة فنان ملتزم ذي أصول برجاوية حمل رصيده كل الأغنيات التي رافقت النضال والخيبات وضمدت جراح الوطن  … من منا لم يسمع ” أناديكم ، أشد

على أياديكم ، وأبوس الأرض تحت نعالكم ، وأقول : أفديكم ” . أغنية طارت شهرتها في الآفاق . الأستاذ أحمد هو ابن أمين محمود رشيد قعبور المعروف بـ ” محمود الرشيدي ” ، والده هو أول عازف كمان في بيروت المولود عام 1914 ، وأصغر عازف في الإذاعة اللبنانية … « أنا سوبر تراجيديا » . هكذا يطيب للفنان أحمد قعبور أن يعرف عن نفسه ، مضيفاً « أنا تركيبة فرضها القدر المكتوب على كل لبناني صادق . لم أكتب او ألحن الا في ضوء مشاعري الحقيقية . أنا صادق حتى الصدمة ، الى درجة ان طعنة جديدة لا تؤثر فيّ . جسدي غابة من الطعنات ، تليها الاعتذارات اللاحقة . وأنا في الحالتين لا أرغب في ان أكون بطلاً او ضحية . الصورتان تنعكسان عليّ رعباً » . من هو هذا الـ « أحمد قعبور » الطالع اسمه الفني مطلع الحرب اللبنانية عام 1975 مع أغنيته الشهيرة المتجددة لقصيدة الفلسطيني توفيق زياد « أناديكم ، أشد على أياديكم وأبوس الأرض تحت نعالكم وأقول افديكم » ؟ .
ونحن هنا ننقل ما كتبته سناء الجاك في صحيفة الشرف الأوسط عن الفنان الأستاذ أحمد قعبور :

من هو هذا الذي أعطى تلفزيون « المستقبل » « لعيونك » و« عن إذنك نص دقيقة » و« يا حبيب الروح روح شوف مستقبلك » ؟ وهل ننسى عبارة « معك » التي ذيلت صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورافقت الحملة الإنتخابية التي جعلت ابنه سعد الدين رئيس أكبر كتلة في البرلمان اللبناني ؟ من هو هذا الذي يحمل في رصيده كل الاغنيات التي رافقت النضال والخيبات وضمدت جراح الوطن و300 لحن للأطفال وأكثر من 20 برنامجاً إذاعياً وأكثر من 40 حلقة ثقافية وموسيقى تصويرية لعشرات البرامج وتدرس موسيقاه في جامعات أرمينية ؟ ” أنا ابن أمين محمود الرشيدي ، الذي كان أول عازف كمان في بيروت وأصغر عازف في الاذاعة اللبنانية . أنا الصبي الذي كان يتسلق الشجرة في حديقة البيت في بيروت ليتفرج على والده وهو يعزف . لم يكن والدي يحب ان ارافقه الى حفلاته .

أيام العز وقف خلف عمالقة الغناء في بيروت والقاهرة في خمسينات وستينات القرن الماضي . لكنه اضطر بعد ذلك الى العزف ببغائية خلف مغنين من الدرجة العاشرة ، مستكملاً مواسم الهزائم القومية والصعاب المعيشية التي عاشها كأي عربي من 1948 إلى 1967 الى ما تلاها . كان مسؤولا عن أولاده الستة وثلاثة أيتام هم اولاد شقيقه الذي توفي باكراً . هذه الخيبات والصعاب حولته إلى « موظف كمان » . أذكر اني رافقته مرة إلى حفلة لفريد الاطرش وشادية في بيسين عاليه ، لم أكن قد تجاوزت العاشرة ، غفوت ولم استفق إلا بعد عودتنا إلى بيروت . نظر الي وقال بلهجته البيروتية : « شو يا أبي بدك تعمل مثلي ؟ اذا بدك تعمل فنان لا تكن في الخلف وانما في الأمام » . وجزء أساسي من كل نتاجي هو رغبتي في أن أقول للرشيدي : إني لا أريد أن أكون في الخلف » .

لم يكن أحمد تلميذا متفوقاً إلا في درس الموسيقى مع الأستاذ الكبير سليم فليفل وأناشيده الوطنية . كان يشعر بلحظة العز عندما يقف في قاعة المسرح لينشد « نحن الشباب لنا الغد » . فرحته الكبرى كانت عندما اختير ليسجل هذه الاناشيد في الاذاعة اللبنانية . لكنه كان يواظب على الدرس ، « من أجل أمي ، ابنة آخر راعي غنم في بيروت . العلم بالنسبة اليها كان الإنقاذ الذي يؤدي إلى وظيفة فراتب شهري فأمان . أصرت على دخولي معهد التعليم لاصبح مدرساً . وكانت تحرص على متابعتي مع انها أمية. علاماتي المتدنية كانت تسبب لها أزمة عصبية. ما دفعني إلى العمل لانال المرتبة الاولى حتى تخرجت مدرساً .

خلال فترة الدراسة كنت أصغر رئيس رابطة طالبية ربما في لبنان . الفضل لشقيقي الاكبر الذي سبقني إلى العمل في السياسة والمظاهرات والإلتزام » . كيف بدأت المسيرة الفنية وسط هذا النضال ؟ يجيب أحمد « في رنة الكمنجة . في بيانو سليم فليفل . في دار المعلمين عندما وقفت للمرة الأولى وغنيت للثورة باللغة الفرنسية ، مستعيداً جاك بريل » . بعد ذلك أصبحت تحية زملائه له « مرحبا فنان » أما في الحي حيث يقيم فكانوا يلقون تحية أخرى هي: « مرحبا أستاذ » . المحطة التي لا ينساها أحمد كانت إعلاناً عام 1972 عن مسابقة في إطار مهرجان الأغنية الفرنسية . « تقدمت إليها وقلت لأعضاء اللجنة : أنا أحمد قعبور منطقة طريق الجديدة . بدا الامر غريباً . لم يصدق أعضاء اللجنة أن هناك شاباً من طريق الجديدة ( الحي الشعبي حيث تقيم أكثرية مسلمة ) يعرف شارل ازنافور وجاك بريل . اقترح احدهم علي تغيير اسمي من احمد إلى أليك . رفضت وغنيت La Boheme لازنافور . لم أفز بالمرتبة الأولى ولكني تعرفت إلى كوكب جديد » .

لم يدرس أحمد الموسيقى . لكنها كانت له بالمرصاد في إحدى ليالي الحرب عام 1975 . على ضوء الشموع بفعل انقطاع الكهرباء وقع نظره على قصيدة « أشد على أياديكم » . « وجدت نفسي ألحن اللازمة . حملتها وذهبت إلى الرشيدي ( والده ) أعرضها عليه . قال بعد الإستماع اليها « هذه الاغنية سيرددها الملايين » . لم أصدق أن هذا المعتكف الزاهد في الكلام قال ما قاله . أنجزت اللحن وأديته في مستشفى ميداني لجرحى الحرب . سبقتني الأغنية كما كل شيء في حياتي . وألحقتها بمجموعة تلبي أحلام الحرية التي كنا ننبض بها آنذاك ، أي قبل بلوغنا العشرين .

المشكلة الكبيرة كانت في التصنيف الساذج لهذه الاغنية ونجاحها على أنها ( أغنية سياسية ) . لديّ تحفظ عن التسمية ، لأن نجاح أي عمل مرتبط بنجاح عناصره الفنية ، هذا التصنيف جعلني مع مجموعة أصدقاء وكلاء حصريين للأغنية الوطنية » . بعد العام 1982 أخذت اعمال أحمد قعبور طابع التفاصيل الحياتية في قالب سياسي . لم تعد عمومية تعبوية ، لم تعد تنطق بصوت كتلة بشرية . صارت لسان كل إنسان بذاته . نزل من الشعار إلى مكوناته الإجتماعية والسياسية . أراد أن يواجه أكبر نسبة من الدمار بأكبر نسبة من الفرح. فرقة « السنابل » للأطفال التي أسسها بإشراف غازي مكداشي . كانت أحد انعكاسات هذه المرحلة وفرصة للهروب من الأحزان والإنكسارات .

ارتبط اسم أحمد قعبور بإذاعة « صوت الشعب » التي ألف ولحن لها «صوتك مش صدى ضائع بالمدى، صوتك صوت الشعب ومالىء الفضا » التي ما زالت تردد. عمل بعد ذلك في محطة « نيوتي في » لمدة ثلاث سنوات. « للأسف لم تكن المحطة كما توقعتها. تركتها وقررت ان أقبع في البيت متفرغا للموسيقى. سرعان ما اكتشفت ان الامر مستحيل. كنا مطلع التسعينات من القرن الماضي ولدي عائلة وأولاد ولا استطيع ان اسدد بدل الايجار ( بأناديكم ) . وبالتالي لا لزوم لهذا الموقف البطولي . خلال تلك المرحلة علمت أن تلفزيون المستقبل قيد الإنشاء . تقدمت بطلب عمل مع بعض الأصدقاء ووجدنا مكاننا فيه . أحببت كلمة ( المستقبل ) ، لا سيما بعد تعبي من الماضي والذكريات والمثقفين الذين يتعاطون الحنين .

لم أكن أعرف أن التلفزيون هو للرئيس رفيق الحريري . ولم أتأثر عندما علمت لأني لست ممن يطلقون الأحكام المسبقة على الآخرين . أسسنا القسم الثقافي في التلفزيون وتحول كل واحد منا إلى كادر » . ” وأستطيع اليوم أن أقول : إن أحلى ما في عملي في التلفزيون هو أني حددت هويته . ويجب أن أقر أن الإدارة لم تطلب مني ما لا أرغب في إنجازه . أنا ساهمت في ترسيخ صورته على المستوى الترويجي . التلفزيون تلقفها ، فكرتي كانت ان انسج خطاباً ودياً مع المشاهدين . أردت الترويج لقيمة إنسانية تحترم الذاكرة وتؤشر ( للمستقبل ) . وبما أن صورة والدي بطربوشه المائل تزين بيتنا ، قررت أن أستعيد الرشيدي وأضع طربوشه على رأس سامي حمدان بطل ( عن إذنك نص… نص…. نص دقيقة ) و ( بتمون ) وغير ذلك من كليبات لا وجود فيها لكلمة مستقبل . والفواصل التي أنجزناها أرست ريادة إعلامية لا سابقة لها » . « قبل الغنية معك . وبعد الغنية معك . لعيونك وعيون الناس شربوا من مدمعك . كانت تحية لعودة سامي حمدان بعد غربة . سمعها الرئيس رفيق الحريري وأحبها . صارت أغنيته بعد استشهاده » .

واليوم ماذا في جعبة أحمد قعبور ؟ « البوم جديد عنوانه ( لما تغيبي ) يضم عشر أغنيات تشبهني ، تشبه رغبتي . أنا بوسطجي ( ساعي بريد ) ، أحب إيصال رسائل الآخرين . جاء دوري . لأقدم حباً لا يخضع للمعادلة الإستهلاكية . حب شخص أمضى حياته تصيغه الحروب ولم يجد الوقت لهذا الحب » . لم يعتبر حلمه الموسيقي ثانوياً في يوم من الأيام أمام القضايا الفكرية والسياسية . كان يحكي حكايته من أول أغنية إلى آخر أغنية . فهذه الموسيقى مرتبطة بأحلام الناس وليس بالثورة . « والحرب من هذا المنطلق لم تصنع أحمد قعبور ولكن هل يجرؤ أحدنا على إنكار تأثير الحرب عليه ؟ وكيف يمكن أن لا أكون وفياً لهذا العمر » ؟

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى