برجا الآن

برجا تبتهج بزيارة بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق بشارة الراعي

كتب الشيخ جمال جميل بشاشة: بينهما ستةٌ وثمانون عاماً، وهي ما تحيد عن لبنانيتها ووطنيتها وإنسانيتها، تتمسك بصفاء إيمانها وتديّن أهلها الذي بقي نقياً على مرّ السنين فما تلوّن ولا تقوقع ولا انغلق.

عام ١٩٣٢ إستقبلت برجا بالصنوج والطبول سماحةَ مفتي الجمهورية الشيخ محمد توفيق خالد.

وعام ٢٠١٨ تستقبل غبطةَ البطريرك بشارة الراعي بالزفة والسرور في مشهد قل نظيره في قرى وبلدات الشوف.

كان إستقبال الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وصحبه الكرام مؤثراَ طافحاً بالدلالات والرموز والعبر. كان ذلك ظهر الأحد السادس عشر من أيلول 2018 على ساحة العين في برجا الشوف، حين وصل موكب غبطة البطريرك في زيارة تاريخية، هدفها الأساس التأكيد على “الوحدة الوطنية والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين في لبنان عموماً، والشوف خصوصاً”.

ركن أساس في الوفد المرافق لغبطته قال: إن ما شاهدناه في برجا من حفاوة يثبت كم أن هذه البلدة كبيرة بوطنيتها وعظيمة بمحبتها. كما نقل عن البطريرك و رجال الدين الذين كانوا بصحبة الضيف ومن مصدر كنسي أنهم فوجئوا بالترحاب البرجاوي وحرارته والحشد الذي كان ينتظرنا.

عند الساعة الحادية عشرة والنصف علا التصفيق وازداد إيقاع ضرب الطبول والدفوف حين ترجل السيد الراعي من سيارته، وعلى صوت صبّوحة لبنان “أهلا بهالطلي أهلا” وقد ازدادت الحشود وتقاطرت لرؤية أول بطريرك ماروني يزور برجا والقرى في جوارها.

“كلنا برجا ومن برجا”. بهذه العبارات يعود بنا صاحب الغبطة إلى زمن غابر بعيد، وكأنه يستحضر سيرة حياة القديس بولس رسول الأمم في المسيحية، الذي قال عنه سلفه البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير: «إن بولس الرسول قدوة لجميع المؤمنين، ومن شواطئنا – ويقال من طبرجا وغيرهم يقول من برجا وكلاهما تقعان على الشاطئ اللبناني – ذهب بولس الرسول الى افتتاح العالم بالإنجيل وهو أعزل إلا من الإرادة الحديدية والغيرة المعقدة على نشر تعليم المسيح».

أول المستقبلين كان رئيس البلدية نشأت حمية وعدد من أعضاء المجلس البلدي وشق طريقه نحو مبنى الوقف الأثري حيث نُصب منبر على حائطه الغربي وسط ساحة العين، وقد تهافت الناس للسلام على غبطته والتقاط الصور التذكارية، التي امتلأت بها وسائل التواصل الإجتماعي وصفحات المواقع الإلكترونية.

وكان في المقدمة، النواب: بلال عبد الله، الفريد البستاني، ماريو عون، النائب محمد الحجار ممثلاً بنجله المهندس رشيد الحجار، والمدير العام السابق لـ”قوى الأمن الداخلي” اللواء علي الحاج، إمام وخطيب جامع برجا الكبير الشيخ جمال بشاشة، إمام وخطيب مسجد الديماس الشيخ الدكتور أحمد سيف الدين، وعددٌ من رؤساء بلديات الشوف والمخاتير وممثلي الأحزاب والجمعيات والروابط الأهلية والمدنية في البلدة، وحشدٌ غفير من أهالي البلدة.

رافق البطريرك الراعي إلى برجا، راعي أبرشية صيدا ودير القمر المارونية المطران مارون العمار والنائب البطريركي العام المونسنيور مارون كيوان ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو كسم والمنسق العام للزيارة رئيس بلدية جدرا الأب جوزيف القزي والمحامي وليد غياض المسؤول الإعلامي في بكركي وسكرتير البطريرك الأب شربل عيد.

قدّم للإحتفال الصحافي فادي حسن الغوش، ثم تحدث الشيخ أحمد سيف الدين فقال: “نثمن غالياً هذه اللفتة الكريمة لزيارة بلدتنا برجا، الفخورة بزيارتكم، ونحن نشكركم على هذه الزيارة التي عبرتم فيها عن عاطفتكم وحرصكم لأن تكون رعوية ووطنية، من ضمن الزيارات لمنطقة إقليم الخروب، رمز الوحدة الوطنية والتعايش بين جميع أبنائه على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم”.

وأضاف: ” إننا نمد اليد لكل أبناء لبنان وخصوصاً في جبل لبنان للتأكيد على الإستقرار والأمن والتقدم وتثبيتاً للوحدة الوطنية”.

ثم ألقى رئيس بلدية برجا المهندس نشأت حمية كلمةً جاء فيه: “برجا اليوم، كما كل المنطقة في عرس وسرور، أقبلت رجالاً ونساءً أطفالاً وشيوخاً لترحب بزيارتكم التاريخية لبلدتنا ولتقول لكم أهلاً وسهلاً بكم، برجا بلدة العيش المشترك، برجا التلاقي، برجا المحبة، برجا النضال، برجا التي يسع قلبها الجميع”.

وأضاف: “صاحب الغبطة، إننا في برجا إذ نشهد وكما كل اللبنانيين على الدور الوطني الذي تلعبه المرجعيات الروحية وعلى رأسها دار الإفتاء وبكركي اللذان يشكلان ضمانة وطنية وعنواناً للعيش المشترك وتحصيناً للبنان من الهرطقات السياسية والنكايات التي تكاد تودي بالبلد نحو الهاوية”.

وتابع: “إن برجا كانت ساحة للعيش المشترك والتآخي والإنفتاح ولا تزال وستبقى من خلال الدور المميز الذي تلعبه الفعاليات في المنطقة مع الصديق الأب جوزيف القزي في تأمين التواصل والتلاقي الدائم بين بلدات الإقليم وتحديداً بلدة برجا التي تعلّم فيها وشرب من مياه عينها. لقد شرفتم اليوم إلى بلدةٍ بعيدة عن أعين الدولة وإهتماماتها، إلى أرض ورثناها عن أجداد حافظوا عليها بالدماء وعرق الجبين، وسنورثها للأجيال القادمة كحق من حقوقهم على الجميع وكشرط وجودي لا يكتمل إلا بتوفير العيش الكريم من عمل ومسكن وتعليم وغيرها من الحقوق”.

وقال حمية: “إننا في برجا نرغب بإستكمال الشراكة والعيش المشترك “بس بدك نعيش بالأول”. إننا نموت بملوثات المعامل ومصادر التلوث والدمار المحيطة بنا حتى وصل الحال إلى إنتشار كثيف لسرطان يفتك بنا لا يميز بين طفل أو شاب أو كهل، هنا نرجو أن يكون لديك الحماية الربانية الكافية لحمايتك من مخاطر الملوثات التي رافقتك طيلة جولتك في المنطقة”.

وتابع: “إننا نموت من أضرار نفايات موجودة أو نفايات حرقت أو نفايات طمرت فقط لأن الدولة تخلت عنا، وحتى عندما إقترحنا عليهم مكاناً تملكه الدولة وهو “القريعة” لإيجاد حل لنفايات منطقتنا تذرّعوا بوجود المسيحيين “وإنه ما بدنا نهجرهم”، وكأن المسيحيين الموجودين في جدرا وحارة بعاصير ومرج برجا والجية وضهر المغارة والدبية والبرجين والمعنية والشميس وعين الأسد ليسوا بمسيحيين أو بمسيحيين درجة ثانية أو مسيحيين سنة أو مسيحيين شيعة، وها هم اليوم يعيدون وراء الكواليس طرح حلول تحرق الأخضر واليابس فقط في محيطنا”.

وختم حمية: “إننا نثمّن إختيارك لزيارة برجا آملين أن ينال بلدتنا خير من خيركم. ونتمنى على غبطتكم تحديد موعد لنا لزيارتكم بوفد يضم كل فئات المجتمع البرجاوي لرفع مطالبنا وشرح واقعنا عن قرب”.

بعدها كانت كلمة للبطريرك الراعي إستهلها بتحية أهل برجا، مشيراً إلى أن العائلة اللبنانية المصغرة موجودة في برجا. وقال: نضم صوتنا إلى صوتكم ونقول: “الوحدة الوطنية المبنية على العيش المشترك، ليتها تعدي المسؤولين السياسين والحزبيين والتكتلات النيابية، لأن شعبنا يعيش هذه الوحدة الوطنية، ولكن للأسف المسؤولون السياسيون لا يعيشونها، فمن هنا نطلق دعاء من أجل أن تصبح الوحدة الوطنية معدية”.

وجدد الراعي دعوته لتشكيل حكومة طوارئ حيادية تبدأ ببناء الوحدة الوطنية.

ولفت الراعي إلى أنه وخلال الزيارات التي قام بها إلى قرى إقليم الخروب سمع دوماً عن حاجة البلدات للإنماء، علماً أن الأهالي يعيشون وحدتهم وتجاوزوا جراحهم وحافظوا على العيش المشترك. لذا حقهم أن تلتفت الدولة لهم ليعيش الشعب بكرامة.

وحول مشكلة التلوث طالب بأن يكون للإقليم معامل صحية لمعالجة النفايات، خاصة وأن الأمراض السرطانية زادت في لبنان والتلوثات طالت الحيوان والجماد والإنسان والطيور ولا يجوز أن نضحي بصحة وكرامة الشعب اللبناني.

وختم “نحن صوتكم ومعكم، صوتكم الدائم. كلنا برجا ومن برجا”.

وفي نهاية هذا المشهد التاريخي خاطب الشيخ جمال بشاشة الكاردينال الراعي، وقد توسطتهما لوحة فنية تشكيلية تمثل جانباً من حارة العين ووادي عمرين في برجا، وهي من إبداعات الفنان البرجاوي نبيل محمد يحيى سعد الذي وقف عن يمين الضيف، قائلاً: “إننا هنا في برجا نقدم لكم غبطة البطريرك هذه اللوحة البرجاوية عربون محبة وتقدير لدوركم كقامة من قامات هذا الوطن التي تبني جسور التواصل، فالناس لا تحيا بإقامة الجدران العازلة. العقود الذهبية للبنان كانت أيام اللقاء وكل شيء آخر كان رماداً. صاحب الغبطة هذا يوم مشهود من أيام الزمن الذهبية لبرجا، فأهلاً ومرحباً بكم بين أهلك ومحبيك ومواطنيك”.

وكان البطريرك الماروني والوفد المرافق والنواب قبل ساحة العين قد عرّج على مرج برجا، حيث زار كنيسة مار يوسف، واستقبله الأهالي بالزغاريد ونثر الأرز. ثم أقيم في قاعة الكنيسة احتفال بالمناسبة.

كاهن الرعية الأب جان القزي عبر عن فرح أبناء المرج بزيارة الراعي “الأب الصالح، الذي يرعى رعيته، ورعيته تعرفه”.

وكانت كلمة لمختار مرج برجا ألقاها باسمه شاكر الهاشم، فوصف الراعي بـ “بطريرك الشراكة والمحبة”، معتبراً “أن هذه الزيارة ستبقى راسخة وخالدة في قلوب أهالي البلدة”.

ثم، ألقى الراعي كلمة وصف فيها مرج برجا ببلدة الخضار والحيوية والجمال والفرح، ورأى “أن رفع الصليب هو أن نترفع عن الخطيئة من أجل حياة جديدة”.

عن “برجا الجريدة” العدد الرابع تشرين الأول 2018 صفحة 3 و 4.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى