قل كلمتك

“غَضَبُ الله” لا يُلغي الظواهر العلمية

كتب محمد أبوعبيد : المسلمون الذين يفخرون بأن الإسلام دين التسامح والتعاطف, يتصرف بعضهم كما لو أن الدين يحارب مثل تلك الصفات الإنسانية. لذلك يجدر القول إن المسلمين ممارسون للإسلام وليسوا ممثلين عنه, حتى يبقى الدين براءً من تصرفات غير مسؤولة. ولعل ذلك يتجلى في حالة الكوارث الطبيعية التي تهلك الحرث والنسل. ويبدو أن البعض منا غير مؤمن بالعلوم ولا الظواهر العلمية, وجلّ ما يؤمن به هو أن غضب الله حل, وكأن هذا البعض يعرف نيات الخالق جل شأنه, وهو وحده الأدرى بنياته والعالم بما في صدورنا, فلا يتبادر إلى أذهانهم أي تحليل علمي ومنطقي أو على الأقل السعي في مناكب المعرفة سوى أن الخالق غاضب, وهو الرؤوف الرحيم بالعباد .

بعد كل بركان, أو زلزال, أو تسونامي أو فيضان ينجم عنه موت ودمار, يزمجر البعض بالقول هذا عقاب من الله شديد لهؤلاء القوم أو لتلك الملة, فيصبح من اللاإنسانية أبداً أن يسلخ المرء عاطفته عن نفسه ويقسي قلبه انطلاقاً من هذا المعتقَد, مهما كان انتماء الضحايا أو أجناسهم. وهذا ما ظهر واضحاً لدى البعض عندما اجتاح التسونامي اليابان مخلفاً آلاف القتلى والمفقودين, ناهيكم عن الدمار والخسائر والمخاطر المحتملة, فلم يَدُرْ في خلدهم سوى أن “لعنة الله حلت على البوذيين”.

لا ريب في أن خالق الكون فعّال لما يريد, وأمره إذا أراد شيئاً أنْ يقول له كُنْ فيكون, لكن من الأهمية القصوى أن يتذكر المرء, إن نفعت الذكرى, أنّ الإسلام دينُ عِلم أيضاً وليس مجرد طقوس, وأن هناك تحليلاً وتفسيراً لكل ظاهرة طبيعية مهما بلغت قسوتها وأياً ضربت, ولو قَصَرنا الأمر على غضب الله فقط لما كانت هناك تخصصات جامعية تصل درجات الدكتوراه في الجيولوجيا, ولو قلنا إنّ أي مرض يحل في الإنسان هو غضب من الله لما كانت هناك تخصصات الطب ولا وُجِد الأطباء, ولظل التقيّ الورع معافى مشافى من أي مرض طوال حياته, فلا منطق في ذلك على الإطلاق.

ثمة زلازل زلزلت أصقاع المسلمين, ما نجم عنها أحيانا تهدّمٌ لبيوت الله على عامريها, وهناك فيضانات أغرقت بيوت نُسّكٍ متعبدين, وحوادث مواصلات فتكت بعدد من حجاج بيت الله الحرام في طريق عودتهم إلى فجهم العميق, فكيف يكون ذلك غضباً من الله أيضاً! الأوْلى للبعض أن يستمعوا إلى قول العلم وأن يوسعوا مدارك عقولهم ويغذوا أدمغتهم بشرح عن ظاهرة تسونامي كي تنشرح صدورهم.

إن على البشر حق التعاطف مع اليابانيين وواجب التضامن معهم, ليس لأنهم بشر قبل كل شيء, وليس لأن اليابان لم تتبرع بأسلحة للقضاء على حركات تحرر, إنما لما يقدمونه للجميع, وبلا تمييز, من صناعات ومنتجات جعلت حياتنا يسيرة سهلة وممتعة, ومن دونها لشعرنا أننا نعيش حياة الكهوف.

بعض ضارّات اليابان نافعات, فلولا هذا البلد العملاق لما عرفنا كلمة تسونامي اليابانية التي تعني أمواج الموانئ, فلترسُ عقولُنا على موانئ العلم والمعرفة ففي ذلك رضى لله ومنفعة للعباد . منقول عن موقع العربية نت .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى