منبر الجمعة

الفساد الذي يفترسنا كل يوم !

إعتبر شيخ الجامع الكبير في برجا الشوف , جمال جميل بشاشة أن الفساد وباء استشرى في بلادنا ونما نتيجة غياب المراقبة والمساءلة . ومما جاء في خطبة الجمعة بتاريخ 14 المحرم 1433 الموافق 9 كانون الأول 2011 : ”  حدث أن استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلأ ليجمع أموال الصدقات والزكاة من القبائل حول المدينة . فلما قدم بها إلى النبي قال الجابي : يارسول الله , هذا لكم , وهذا هدية أُهديت إلي ! .

قام النبي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد فإني أستعمل الرجل ( الموظف ) منكم على العمل مما ولاني الله , فيأتي فيقول : هذا لكم , وهذا هدية أهديت إلي ! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً ؟ والله لايأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة .

من الأمانة ألا يستغل المرء منصبه الذي عيّن فيه , لجر منفعة لشخصه أو لقرابته , فإن التشبع من المال جريمة . وأي اكتساب للمال بالطرق الملتوية هو اكتساب للسحت والحرام .

تقارير الإحصائيات ومنظمات مكافحة الفساد تقول :  إن المال المسروق في عالمنا العربي يكفي لتشغيل عشرين مليون عاطل عن العمل , على اعتبار أن الأمر يتعلق وفق البنك الدولي بـ 300 مليار دولار سنوياً , هي نصف الناتج المحلي الإجمالي للعالم العربي والمقدر بـ 770 مليار دولار .

الفساد أشبه بالسرطان , وهو اليوم تحول إلى ظاهرة سوف تودي بالأمة إلى مهاوي السقوط والتخلف السحيق .

النروج مثلاً من الدول المتقدمة والتي تقدم مستوى من أعلى مستويات المعيشة في العالم اليوم , الوزير في حكوماتها ليس له حارس خاص أو سائق , وهو يتنقل من بيته إلى الوزارة كبقية المواطنين في وسائل النقل العام .

منذ مدة , عمدة العاصمة السويدية , استوكهولم , وكانت عضواَ في البرلمان , إتهمت بالفساد وخضعت للمحاكمة ودفعت الثمن من مسيرتها السياسية , لماذا ؟ لأنها أقدمت على استخدام بطاقة حكومية لاستخلاص الوقود لسيارتها الخاصة لمرة واحدة , حيث صرحت بأنها لم يكن معها في ذلك الوقت مايكفي من المال .

في تلك البلاد قامت الدنيا لأن المسألة تتعلق بسمعة الوطن .إستقالت السيدة وغابت عن الأنظار في ريف بلادها لتتقاعد هناك .

الأمر يختلف عندنا .

 كثير من الناس يخوضون في المال العام خوضاً , غير سائلين , أهو من الحلال أم من الحرام ومابينهما من شبهات ؟ .

حتى اليوم مجتمعاتنا لاتعرف ثقافة المراقبة والمحاسبة .

 المرتشي والسارق والمختلس هو بنظر جمهور عريض , إنسان صاحب نفوذ يُهاب ويُحترم !!!

المسؤول لدينا عندما يخوض في المال العام يعني ذلك : رتل من السيارات الفاخرة في خدمته , سواء كان رئيساً أو وزيراً أو نائباً , وفي خدمة أهل بيته وحاشيته وإخوانه المقربين , والأرصدة التي تتضخم كل يوم ! .

أما الموظفون في كثير من الدوائر العامة الدسمة والمدهنة فحدث ولا حرج عن النهب والسرقة والرشاوى وابتزاز أموال الناس بالباطل .

 ومانشاهده من عمارات شاهقات وعقارات شاسعات في ربوع بلدنا لبنان لدليل صارخ على ماوصل إليه الترهل والفساد في دولتنا .

وأهل التقوى والورع , هم الوقافون عند حدود الله , هيّابون أن يّلموا بشيء يُسقط مروءتهم ويُغضب عليهم ربهم ومولاهم .

هذا اللون من التفكير عند أهل التقوى يقتضي نمطاَ حازماً من السلوك , لايقدر عليه إلا الأقلون .

أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عندما كان يريد أن يستعمل أحداً على عمل , كان ينظر في صفات الرجلين المتساويين في المزايا والخصال , فإن كان أحدهما قريباً له أبعده ! .

 كانت القرابة من أمير المؤمنين عائقاً له من الصدارة والوجاهة .

كان إمامنا الأعظم أبو حنيفة النعمان يتاجر في الملابس , محدداً لنفسه ربحاً يكفل له معيشة الكفاف وتأمين حاجاته الضرورية فحسب , ويرفض أية زيادة وإن قبل المشترون ! .

قال رسول الله : العامل ( الموظف ) إذا استُعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته ” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى