برجا الآن

وستبقى ذكراها عابقة برائحة الحبق

وكأنها جاءت من عالم علوي لتعيش بيننا !

أو لكأنها كانت تنتمي إلى زمن غير زمننا !

هي المرأة الصالحة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم في مثيلاتها : الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة .

في جلبة حارة العين وضوضائها حينما كانت تلك الناحية من ضيعتي تعج بالناس وتضج بالحياة , والذين بمعظمهم هجروها اليوم , تاركين وراءهم ذكريات وحكايات …

في تلك الأيام الصاخبة ما كان لأم قدري صوت يُسمع .

كانت وكأنها من صنف آخر من النساء .

مشغولة هي برجلها وأولادها , فقد قدمت لهم نفسها وما تملك .

ذابت في أسرتها وحاجياتها .

أما تذكرون ذلك الوجه النوراني الذي يشع إيماناً وتقى , المزنّر بالمنديل الأبيض النقي الطاهر ؟

كانت تسكن على عتبة حارتنا , وكأني بها كالحارس لها الساهر عليها .

كيف كانت تحرسها ؟

من كان يُلقي السمع في هاتيك الأيام عند شبابك بيتها وعند عتبة دارها , ماذا كان يسمع ؟

بـ ماذا كنا نُشنّف آذاننا كلما عبرنا قدّامها ؟

أصوات تنبعث تعطر البيت بمعاني الوحي النازل من السماء …

شيوخ يبثون مواعظهم ودروسهم عبر الأثير …

قراء يتلون القرآن بنداوة يصبغون معها فضاء الحارة بالأنس والسكينة .

ما أظن أن أم قدري كانت تسمع لغير إذاعة القرآن الكريم من القاهرة … غذاعة الأزهر الشريف , منارتنا ومجدنا .

نعم وكأني بها وهي تذكر ربها وتصلي وتخشع للقرآن صباح مساء , تُعيذ بيتها وأهله وجيرانها وناس حارتها من الشيطان الرجيم .

منذ أن جاءت إلى حارة العين في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي , وهي ناصعة الصفحة , بهية الأخلاق .

من كان يراها مع الشروق تحث الخطى إلى مدرسة البنات على البيادر يُحس بأن نهاره قد انغمس بالحبور والسرور .

أعذروني أيها الأخوة فقد تعودنا أن نرثي أصحاب المناصب والمقامات والرتب والوجهاء والزعامات , حسبي هنا أن أرثي هذه المرأة الصالحة من ضيعتي .

كان صبرها يصهر الجبال … إذا كان فقد الأم لأبنائها خطباً فادحاً وحدثاً جللاً فإن العجيب أنها ما كانت تتجاوز في عبارتها ” لا حول ولا قوة إلا بالله ” كلنا جاءها ناع بخبر واحد من شبابها .

الحديث ذو شجون … وإذا استرسلنا فهو يطول .

أتدرون بماذا اشتهرت أم قدري بحارة العين ؟

كانت تعطف على الحبق … تزرعه وتعتني به وتوزعه على جيرانها وكل من طلبه من الناس .

شتول الحبق في كل تنك و ” مجامع ” الحارة كان من بين يدي أم قدري .

هكذا عاشت … سيرتها سيرته …..

وستبقى ذكراها عابقة برائحة الحبق .

* ألقاها الشيخ جمال جميل بشاشة في قاعة الشيخ أحمد الزعرت في ثالث المرحومة سليمة عبد السلام سعد ( أم قدري ) 1922 – 2012 , أرملة المرحوم نور الدين يزبك سعد , المتوفاة يوم الأحد في 21 تشرين الأول .

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. الله يرحمها ويجعلها من ورثة جنة النعيم ويجمعها مع الانبياء والصالحين يا رب العالمين.

  2. أم قدري نسأل الله أن يرحمك رحمة واسعة و يسكنكي فسيح جناته كانت متل للمرأة المؤمنة الصابرة المحتسبة . يومها يبدأ مع صلاة الفجر – عرفناها منقبة حينما تذهب الى عملها -يومها مليئ بذكر الله تعالى . القرآن لا يفارق اذنيها, تقية عفيفة لا تنم ولا تغتاب أحد. تحدت الحياة وابتلاءاتها بصبر الجبال وايمان الصحابيات. كانت جوهرة الحي كانت تدعو للجميع بالخير. نحسبها أن شاء الله من الصالحات مع الشهداء والصالحين في جنات التعيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى