يحدث في الشوف

طريـق المختارة إلـى إقليم الخـروب … تمـر مـن وسـط بيـروت

كتبت كلير شكر : أمام معمل سبلين للترابة في إقليم الخروب، حلم كمال جنبلاط، احتشد الجمهور الأزرق، ليصرخ اعتراضاً بوجه زعيم الجبل على السير بالخيار  ” الميقاتي “.  مشهد يفيض تعبيراً عن تفسّخ يصيب العلاقة بين الرأس والأطراف . سقطت ورقة التين ، عن هوة راحت تتسع يوماً بعد يوم. اختار « الإقليميون » الموقع السياسي ـ الجغرافي المذكور، لرمزيته، لقول « لا » مزدوجة : لا لخلع جنبلاط رداءه « الآذاري » ، ولا لخروج سعد الحريري من السرايا الحكومية… الخطوة التي حصلت بضربة « جنبلاطية » قاضية.
ما قبل المدّ « الأزرق » إلى الاقليم ، الامتداد السنيّ للجبل الدرزي المسيحي ، غير ما بعده. في زمن « الأحادية الجنبلاطية » كان « زعيم المختارة » الآمر الناهي المتحكّم بمصير تلك البقعة انتخابياً . يراعي بعض الخصوصيات المحلية ، لكن  ” الأمر لي ” في النهاية. قبله « المعلم » كمال جنبلاط كان ينتظر صناديق الإقليم، قبل أن يقول كلمته من مجرى الاستحقاق. في زمن « التوأمة » الجنبلاطية – الحريرية ، كان التواصل بين « مركز الجاذبية » و« الطرف » الجنوبي للجبل في أوجه ، والعلاقة « سمن على عسل » ، وإن اختزنت بعض الحساسيات لكنها بقيت تحت سيطرة  ” البيك “… ومراعاة « أبو بهاء » لحساسية جنبلاط الانتخابية ، تحديدا في الإقليم.
انقلاب الثاني من آب العام 2008، كشف «العورة» الجنبلاطية في الإقليم: «تيار المستقبل» هو خزّان الصوت السنيّ، والحنفية صارت بمتناول يده، قادر على تسييل أصواتها في المجرى الذي يناسبه. نيابية 2009 وبلدية 2010، قطعت الشكّ باليقين، وفرضت الهيبة «الزرقاء» على الخاصرة الرخوة.
انقلاب من فوق، لم يوفّر الانقلاب من تحت: المعالجات «الجنبلاطية» الموضعية في قرى الجبل، التي ارتكزت إلى «دواء» التواصل المباشر، ومحاولات الإقناع الفردية والجماعية بأحقيّة التموضع السياسي الجديد واعتباراته.. لم تنسحب على «الإقليم»… خاصة أن سعد الحريري كان يوما بعد يوم يذهب بجمهوره خطوة الى الأمام باتجاه دمشق.. وخطوتان إلى الوراء!
في الإقليم «الخيار الأزرق» خط أحمر. لا تنفع معه «الكليشيهات» الجنبلاطية. ولا تعنيه هواجس «الأقليات»، وإن كان أقلية ضمن أقلية. ولا تهزّه المخاوف الجغرافية. معركته مصيرية، وزعامته على المحك.
«سيبة» الشوف الثلاثية، بدروزها ومسيحييها وسنّتها، المتكافئة الأحجام نسبياً، تستحضر نفسها دوماً في ذهن وليد جنبلاط . صار للعبة الانتخابية قواعد جديدة ومغايرة: الرقعة السنية «حريرية» بامتياز قادرة على «الإقفال» على نفسها إذا ما التحمت مع «الجماعة الإسلامية»، فتنتج «بلوكاً» انتخابياً، لا يقدّر ثمنه في عصر الاستحقاقات. الموزاييك المسيحي خارج عن سيطرة أي فريق من القوى المسيحية، يتمايل مع الهواء وفقاً للظروف وخطاباتها. بالنتيجة فإن التقاء المجموعتين، خطر يتنامى تحت أنظار المختارة.
وحده  ” الخزان ” الدرزي في « جيب » المختارة . القواعد الجنبلاطية، قد تكدّس ملاحظاتها وعتبها على توجهات القيادة، لكنها لن تكون يوماً في «أحضان» أحد الى الحضن الجنبلاطي الدافئ والحامي والأدرى بالمصلحة العليا للطائفة. أطياف ألوان غير «تقدميّة»، قد تنوّع المشهد، لكنها لن تزاحم على زعامة الجبل الجنوبي.
وعليه، فإن ارتفاع جدار برلين بين المختارة و ” بقايا ” قوى الرابع عشر من آذار، بجناحيها المسيحي والسنيّ، يسمح لهذا التحالف بأن يشكل تهديداً جدياً لأحادية القرار الذي يمثله «البيك». وقد يقود إلى سيناريوهات «انقلابية» ترسم على وقع الاسئلة الوجودية: ماذا لو نجح  ” المستقبل ” في استقطاب الجمهور « الصقوريّ » لدى المسيحيين ؟ ماذا لو كسر الحلقة الجنبلاطية المطوّقة للجبل؟ ماذا لو تحوّلت الخاصرة الرخوة إلى  ” حبل مشنقة “؟
لكن الشوف لا يختزل مناطق التماس الاشتراكية – الحريرية، إذ « يتواجه » الفريقان في العاصمة، في دائرتها الثالثة التي حفظت لغازي العريضي لوحته الزرقاء (مرشحة للطيران في العام 2013 اذا استمر الخلاف الاشتراكي ـ المستقبلي)، والبقاع الغربي الذي كرّس المسيحي انطوان سعد نائباً « جنبلاطياً »، للدورة الثانية على التوالي، وهو مقعد مرشح للطيران كما المقعد الدرزي اذا نجح الحريري في اعاة استنفار الجو السني في الانتخابات المقبلة مع بقاء نصف المسيحيين الى جانب خياراته.
وإذا كان « البيك » كتب بيديه نعي « اللقاء الديموقراطي » ليعيد إحياء «جبهة النضال الوطني»، فهو يعرف جيداً أن تمايز نوابه لا سيما المسيحيين منهم، عن مسار  ” القائد ” والتمسك بـ« الخيار الحريري »، قد يحسّن وضعهم الانتخابي في مناطقهم، ويرفع من أسهمهم لدى ناخبيهم، ما يترك له في العام 2013، فرصة كي لا يُطبق عليه، إذا ما قرر «تمديد إقامة» هؤلاء على  “اللوائح الجنبلاطية “.
الامتعاض من تماهي المختارة مع حارة حريك في « الخيارات الحكومية »، لم يعد سرّاً، وما كان يقال في الخفاء، صار حديث الناس في العلن… ولسان حال الجدران في المنطقة، التي احتضنت كتابات من «العيار الثقيل»، تجسّد حالة  ” الغضب ” التي أصابت أهالي المنطقة، بعدما بلغ «تسونامي» الاعتراض الموقّع بأقدام «زرقاء»، تخوم الجبل، لا بل عتبة المنزل الجنبلاطي. لم توفّر السهام، الزعيم الجنبلاطي، ولا نوابه «الجدد.
علاء الدين ترو  ” شريك ” محمد الحجار في تمثيل المنطقة نيابياً، أبى مغادرة  ” السفينة الجنبلاطية ” ، ليكون «ملكياً أكثر من الملك»، وفق خصومه الجدد. وقع صوته «الميقاتي» أحدث دويا كبيرا. في تقدير بعض المواكبين،  ” لو ساير ترو المزاج الشعبي، لكان خفف من وطأة النقمة عليه وعلى البيك “.
اشتراكيته، تتقدّم على كل الاعتبارات، كما يشرح بنفسه…  ” صحيح أني اقدم ترشيحي عن منطقة الاقليم كون النظام طائفياً، إلا أني أحمل بطاقة حزبية، وألتزم بتوجهاته، لا بقرارات مجلس المفتين “.
” المدّ الأزرق ” للإقليم لا يخيف الجنبلاطيين ولا يربك مستقبلهم،  ” نحن أيضاً لنا جمهورنا في المنطقة. كنا نخوض دوماً الانتخابات، ونحقق النجاحات “.
طوال «اليوم الأسود» لم تهدأ الاتصالات بين المختارة والإقليم، وإن بالواسطة. التواصل شمل البلديات والمخاتير والفاعليات، لتهدئة النفوس ولمنع التفلّت وانتقال الخلافات إلى الشارع»… فضلا عن مراعاة محظور قطع الطريق الساحلي الجنوبي.
الأسوار التي سيّجها «الإقليميون» حول «رقعهتم» الجيو- السياسية، عطّلت مهام النقاط الحدودية بين الزعامتين الدرزية والسنية. «البيك» يعود إلى «جنّة» السلطة، فيما «حليفه القديم» ينتقل إلى مقاعد المعارضة. مشوار السنوات الأربع، حول  ” الضريح “، انتهى إلى «مواجهة» محتومة تحت قبّة البرلمان، بين أهل السلطة ومعارضيها.
ولكن هذه «النقلة»، قد لا تترك للطلاق منفذاً، يسمح له بتخريب العلاقة، المتوارثة من الأب إلى الابن. ما يجمع بين الرجلين، أعمق من مطب التركيبة الحكومية. يميل المتفائلون من المحسوبين على «وريث الحريرية»، إلى ترك فسحة للاعتبارات الجنبلاطية. التفهّم له مكانته لدى الفريق الحريري، الضغوط التي ينكرها رئيس «جبهة النضال الوطني» تدفع بـ«المستقبليين»، إلى التقليص من الكيلومترات الفاصلة بين مقريّ حليفي الأمس، كي لا تكون «العودة» بعيدة في الزمن والجغرافيا.
إلى هناك سيعود جنبلاط. يجزم المتابعون، لأن  ” دارة سعد الحريري هي الممر الإلزامي لترتيب العلاقة بين المختارة وعمقها الجنوبي، و«البيك» لن يسمح بالتواصل أن يلامس حدود القطيعة… أو الطلاق، لأنه يدرك تبعاته وارتداداته “.
أطفئت نيران الدوليب، ولكن أعلام «الغضب الأزرق» لم تنكّس. الحناجر رفعت الصوت وصار بمقدورها البوح بمكنوناتها. يدرك «البيك» أن استدارته الكاملة باتجاه  ” الأغلبية النيابية ” الجديدة، التي «أنتجها» في «مصنعه»، لم تُهضم لدى جزء من جمهوره، كما لدى «الجمهور الحليف». التموضع الأخير كان ثقيلاً على صدورهم. أصداؤها عبرت «الحدود» وتسللت إلى من يوضبّون أغراضهم في السرايا الحكومية. هناك من «التقدميين» و«الجنبلاطيين»، من حمل هاتفه وطلب مسؤولين من «تيار المستقبل» ليبلغهم، تضامنه مع «الشيخ سعد»، ووقوفهم إلى جانبه، على الرغم من موقف  ” زعيمهم “.
جنبلاط الذي سعى، بيديه، إلى  “إطفاء ” حالة التململ التي أصابت قواعده جرّاء انقلاب الثاني من آب، سيأخذ نفَساً طويلاً، قبل أن يستحضر العلاجات لترتيب البيت «الإقليمي». طلّاته التفقّدية لقرى المنطقة، قد ترحّل إلى حين تبرد النفوس والألسن، كما يقول بعض المتابعين، قبل أن يعيد «حياكة القطب» التي تفلّتت نتيجة طلاقه مع قوى الرابع عشر من آذار.
… عشية التمديد للرئيس اميل لحود، توجّه وليد جنبلاط إلى «صديقه» رفيق الحريري بالقول: أنا سأرفض التمديد، أما أنت فلا تحملها، وامض في خيار اميل لحود.
يستعيد «مستقبليون» هذه الواقعة، من باب اسقاطها على المحطة الحكومية، ولكن بعد قلب الأدوار… وكما تفهّم يومها «البيك»، «الشيخ»… قد يتفهّم نجل الشهيد، صديق والده. لكنه، ايضاً قد لا يتفهم. فالابن أثبت في كل المراحل، أنه ليس الأب.  نقلاً عن جريدة السفير  26/2/2011 .

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. لن يرحل الأستبداد السياسي الجنبلاطي عن الأقليم الأ اذا رحل معه طغات السياسة على مستوى الوطني والذي بقوا في زعاماتهم الموروثة اكثر من مبارك والقذافي وبن علي والذين تخلوا عن مبادئهم من أجل الحفاظ على مكاسبهم السياسية. يفصلون القانون الأنتخابي على مقاصهم لكي يبقوا جاسمين على صدور الشعب اللبناني ولا يريدون اي قانون انتخابي الا اذا كان يضمن بقائهم فعن أي ديمقراطية يتحدث اللبنانيون. غدا يرحل وليد ويأتي بعده تيمور ووو .. الى اين الى متى جنبلاط وبري وووو اين الشباب اللبناني لينقلب على هذا الطاقم الفاسد سئمنا رؤية هذه الوجوه يا شباب لبنان فضلا خذوا زمان المبادرة فالزمن زمن التغيير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى