قل كلمتك

برجا بين الإنفجار وشروط التقدم

كتب الدكتور إلياس عبد السلام البرّاج:

يرتبط تطور المجموعات البشرية والمجتمعات الإنسانية بوجود قدوة صالحة. ويؤدي غياب مثل هذه القدوة، وطنياً، ودينياً، عربياً لبنانياً ومحلياً إلى تردي الأحوال على مختلف هذه المستويات.

إنّ حل المشاكل العامة في برجا، أو غيرها من البلدات والمناطق، لا يتوقف عند التشكي ولا عند التمنيات والأحلام، بل يحتاج نضالاً مستمراً، ودراسة، وتخطيطاً للوسائل، وتعاوناً بين أطراف الحل.

مثلاً: إنْ كنا نسعى لتحسين مستوى الطلاب في قرية أو مدرسة ما، يتوجب وجود مطالبة مستمرة إلى حد الالحاح، ودراسة أسباب المشكلة وأحوال الطلاب، والتخطيط في ضوء ذلك، ولا بد من تعاون أطراف العملية التعليمية من إدارة وأساتذة وأهالٍ.

لا شك أن النوايا السلبية والكيديات والأنانيات المفرطة تلعب دوراً كبيراً في إفشال تنفيذ الخطط وتراجع الأمم والدول والمؤسسات، فكيف الحال مع المجتمعات المحلية الصغيرة التي تعاني مشاكل زمنية متضخمة، في الوقت الذي تتمتع فيه برجا والمنطقة بطاقات بشرية وعلمية تبحث عن أطر مناسبة ومجدية للتعبير والإنتاج؟ هنا تبرز مجدداً ضرورة قيم القدوة الصالحة، وإشاعة روح المسؤولية الاجتماعية عند مختلف الأطراف المعنية بأي حل.

بين الإنفجار… وشروط التقدم:

توجد الكثير من الأمثلة عن مشاكل برجا التي ندفع ثمنها غالياً منذ سنوات طويلة. من التحديات الكبرى التي تواجه البلدة تداعيات الفقر والتردي في الخدمات والحقوق الأساسية، مثل الكهرباء والماء والبيئة النظيفة، وتخبّط مشاريع البنى التحتية، وتخلف شبكة الطرقات.

ومنها كذلك غياب التخطيط التاريخي المديني، بأبعاده الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، المعطوف عليه مأساة مئات الأسر وخلافاتها الناتجة عن الرسوم والضرائب الباهظة لتسوية معاملات فرز وتسجيل عقارات سكنية مشتركة. وإلى هذه التحديات أضيفت في السنوات الخمس الأخيرة قضية آلاف النازحين السوريين، ثم طفح الكيل في السنتين الماضيتين مع أزمة النفايات .

ليس ضرورياً أن تكون مهندس مدن أو خبيراً في علم المستقبل حتى تتوقع المزيد من الأزمات داخل برجا، ومن التأزم بين برجا ومحيطها في السنوات المقبلة. ومهما كنت لامبالياً / أو متفائلاً، إلا أن نسبة ارتفاع عدد السكان وضيق المساحات العقارية والتلوث البيئي وانسداد البحر وحرمان الأهالي منه واحتلال الأملاك العامة من قبل شركات وأشخاص يُنذر بما هو أسوأ في المستقبل المنظور.

ويصحّ القول إن برجا محاصرة منذ سنوات طويلة إلى حد الاختناق، فقد شارفت احتمالات التمدد العمراني على نهايتها من ثلاث جهات أو جهتين على الأقل، ويتفاقم زنّار التصحر والتلوث من جهتين على الأقل (خزانات كوجيكو، معمل الكهرباء والباخرة التركية، ومعامل سبلين والكسارات والحفارات وملحقاتها).

وقد كانت هذه المشاكل تؤجج التنافر بين التمثيل البلدي المحلي من جهة والتمثيل النيابي –السياسي للمنطقة من جهة ثانية، وذلك منذ استئناف الإنتخابات البلدية عام 1998. وقد تبخّرت بسرعة وعود التحالف السياسي-النيابي وآخرها الوعد بزيادة ساعات الكهرباء إلى 18 ساعة، ككثير غيرها من الوعود التي تبخّرت منذ قيام هذا التحالف عام 2000.

وتجاه هذا الاختناق، فإن المطلوب بالدرجة الأولى وضع حد نهائي للمشاكل المتراكمة بحيث تصبح حقوق الأهالي بالخدمات والبيئة وشاطئ البحر واقعاً فعلياً وحقاً مكتسباً مهما كلف الأمر. ولم يعد يجوز استمرار ما نحن عليه منذ أكثر من ربع قرن: رأي عام شعبي وبلدية ينادون بأدنى الحقول ويرفضون الملوثات وتدمير البيئة (وأخيرا حل ملف النفايات)، وفي المقابل هناك من لا زال يجادل في هذه الحقوق.

إن حل مثل كل المشاكل يمكن أن يساعد على التقارب بين الأمر الواقع السياسي-النيابي مع البلدية والرأي العام الشعبي. أي أن حل المشاكل هو الذي يساهم في التقارب وليس العكس.

وفي شتى الأحوال، يمكن اختصار الخطوات الضرورية التي تساعد على تطور المجتمع المحلي بمشاكله كافة بالتالي:

إشاعة روح المشاركة العامة في مواجهة التحديات، سواء بالنسبة لمعامل الترابة والكهرباء، أو بالنسبة لاستعادة الأملاك البحرية على الشاطىء حتى تشكل متنفساً عاماً لأهالي المنطقة (سياحي وبيئي …)، واعتبار كل تخلف عن هذه المواقف مساهمة لغير مصلحة برجا ومستقبل أبنائها.

التوعية العامة بالعمل البلدي وصلاحياته ومسؤولياته والتمييز بينها وبين مسؤولية المؤسسات المركزية، مع اعتبار التخطيط قضية عامة، يشارك فيه المعنيون ككل والمختصون ويتحمل مسؤوليته المباشرة رئيس البلدية والمجلس مجتمعين … على أن يشمل ذلك الدفع باتجاه البناء العامودي المدروس مع تعزيز المساحات الخضراء والطاقة النظيفة (ومشاريع للرياضة-التربية-الترفيه) وبرامج التمويل الذاتي.

اعادة بناء وسط برجا بحيث يشكل مركزاً حيوياً اجتماعياً ويساهم في إنعاش الحياة الثقافية والفكرية، سواء عبر العناية بأسواقه الحجرية القديمة او عبر شبكة الدخول إليه والخروج منه بما يساهم في إعادة وصل أحياء كثيرة من برجا تم تقطيع أوصالها في السنوات الماضية.

إعادة الحرمة للأملاك العامة… والمشاعات، لما لذلك من أخطار على كل ما بقي من هذه الأملاك ومن مس بقيم أساسية راسخة في الشرائع والقوانين…

تشجيع المبادرات الفردية ومبادرات القطاع الخاص (المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات) ولاسيما في مجال المشاريع والأنشطة الثقافية والفكرية…

إقرار ميثاق شرف بين الأحزاب والتنظيمات والجمعيات ومجموعات الدفاع المدني والناشطين يحترم حريات التعبير ويؤكد على الحياة الديمقراطية في برجا والمنطقة (بما في ذلك حريات التعبير على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي).

هذه ليست سوى اقتراحات أو أفكار لنقاش أرجوه واسعاً على أكبر نطاق ممكن.

فيجب أن نتذكر أننا نعيش اليوم عصر التشارك الذي أتاحته تكنولوجيا الاتصال التي بدورها يمكن أن تكون أداة فعالة لتواصل طاقات أبناء برجا واجتماعهم- مهما اختلفوا- على أفكار خلاقة ومشاريع بناء.ولهم جميعاً ولكم كل التحية والاحترام.

تصوير الفنان ميلاد لمع

المقالة نشرت في العدد الأول من برجا الجريدة كانون الثاني 2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى